معارك إردوغان الخارجية

الدار البيضاء اليوم  -

معارك إردوغان الخارجية

بقلم - عبد الرحمن الراشد

قليل يعلم أن لتركيا قاعدة عسكرية في مقديشو، البعيدة جداً عن حدودها، وأن أكبر سفاراتها أيضاً في العاصمة الصومالية. والشيء الوحيد الذي يجمع بين ليبيا والصومال، أن البلدين ممزقان بالحروب. وإلى أشهر قريبة، كان لتركيا موطئ قدم في سواكن، الجزيرة السودانية التي خطط لها أن تكون قاعدة عسكرية تركية، لولا انهيار حكم عمر البشير، وإلغاء القيادة الجديدة في الخرطوم كل الاتفاقيات العسكرية مع أنقرة.
هذه الدوائر الحمراء التركية المنتشرة على خريطة المنطقة هل تمثل سياسة مرسومة، ومشروعاً توسعياً، أم مجرد ردود فعل من شخص مليء بحب نفسه؟
في السنوات الأولى للحرب في سوريا، كان إردوغان متردداً في عبور الحدود عسكرياً. اليوم قواته هناك، لكنها خسرت معظم معاركها الرئيسية أمام الروس وقوات نظام الأسد، وكذلك ضد الأميركيين، وتقلصت المساحات التي رسمتها حكومة تركيا كفواصل حدودية داخل سوريا.
لهذا كان الرئيس إردوغان حريصاً على أن يزف أخبار انتصارات قواته في ليبيا للشعب التركي المكتئب من تدهور أوضاعه المعيشية. ضخ سيلاً من الأخبار يبشرهم بالمكاسب، أبرزها توقيع اتفاقيات نفطية مع ليبيا، وعزمه على التنقيب في المناطق التي رسمها كحدود بحرية في مياه المتوسط، رغماً عن اعتراضات اليونان، وتسرع بالحديث عن اكتشافات نفطية.
وقد لا تعدو كل هذه الأخبار السعيدة سوى محاولة رفع الروح المعنوية للشعب التركي الذي تتالت عليه صدمات اقتصادية في سنتين بلا توقف ولأسباب سياسية.
ولا يمكن التهوين من أضرار المغامرات العسكرية التركية في المنطقة، الممولة غالباً من قطر الصغيرة التي تبحث عن قوة إقليمية تتسلق عليها.
والرئيس التركي يسير على خطى الإيرانيين في توسعهم في المنطقة، الذين انطلقوا سريعاً بعد توقيعهم الاتفاق النووي، وانتشروا في سوريا والعراق واليمن. ووفق النموذج الإيراني، صارت تركيا تستخدم الميليشيات الأجنبية في حربها في ليبيا، وهناك أنباء عن تدخلها في اليمن، أيضاً، وسبق ذلك أن استخدمت الميليشيات السورية في ضرب الأكراد السوريين «قسد».
هذه المغامرات والقواعد العسكرية لا توضح لنا ما هي سياسة إردوغان، إن كانت هناك واحدة. لماذا؟ وما هي النتيجة المتوقعة منها؟
في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استضافت ماليزيا قمة إسلامية اقتصرت على إردوغان ورئيسي إيران وإندونيسيا وأمير قطر، بدعوى تدارس شؤون الأمة الإسلامية. وقد حاول إردوغان أن يطرح نفسه زعيماً عليهم، وأن يجعل من القمة بديلاً لمنظمة التعاون الإسلامي في مكة. القمة فشلت وحاولت ماليزيا توضيح أن تصريحات الأتراك لا تعكس وجهة نظرهم، وتمت إقالة رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، الذي طُرد أيضاً من الحزب هذا الشهر.
ملامح مشروع إردوغان تقول ببناء قوة إقليمية كبرى موازية لإيران، وربما تحل محلها، على اعتبار أن الحصار الأميركي للإيرانيين بالفعل أضعفهم كثيراً. وتركيا، ذات الثمانين مليون نسمة، لها أدوار إقليمية في آسيا الوسطى، ولم تفلح كثيراً أمام روسيا وإيران. وهي، بخلاف السعودية وإيران ذاتي الاحتياطات النفطية الهائلة، تركيا بلد بلا موارد مالية كبيرة، لها اقتصاد كبير يعتمد على السياحة الروسية والأسواق الأوروبية وتحويلات الأتراك في الغرب. ويكاد يعيش إردوغان على الدعم القطري لإنقاذه من كل أزمة، مثل أزمة «كورونا» التي أوقفت الاقتصاد، وبدأ انهيار الليرة إلى أن رفدته الدوحة بـ15 مليار دولار.
حالياً هو متمدد في ثلاثة بحار؛ الأسود والمتوسط والأحمر. النتيجة المتوقعة من التمدد السياسي، والتورط العسكري التركي، ليس تمدد نفوذ حاكم أنقرة، بل إضعافه، لن يستطيع أن يلعب وحيداً في منطقة واسعة ومضطربة بدون حلفاء أقوياء، ولا تزال تنتظره امتحانات لم تحسم بعد، سواء في حرب سوريا، والصواريخ الروسية، وخلافه العسكري مع الأميركيين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معارك إردوغان الخارجية معارك إردوغان الخارجية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca