بقلم : عبدالرحمن الراشد
محطات التلفزيون العامة في رمضان لا تصوم عن البثّ، ولا عن البحث عن الأجر المادي. فهو شهر الخير، شهر المشاهدين والإعلانات. فيه يجلس أفراد العائلة أمام الشاشة، أو بديلاتها، أطول وقت في السنة، من الإفطار إلى السحور، وهي تفعل كل ما في وسعها من حيل تسويقية، حتى يعودوا في اليوم التالي لاستكمال ما انتهت إليه مسلسلات الأمس.
لهذا، متوهم من يظن أن خلف كل الأعمال الرمضانية التلفزيونية حملات خبيثة، أو أفكار شريرة أو تسويق لأجندة منظمة. وعندما تلاحظ ظهور تكرر أو تشابه في موضوعات الأعمال الرمضانية، فإن ذلك غالباً نتيجة جسّ نبض الجمهور، فهو «ترند» الموسم. والملاحظ عادةً أن هذه الأعمال تجد قبولاً كبيراً من المشاهدين رغم «رسائلها» السياسية الصادمة أحياناً.
وكل موسم له «ترند»، فقد تناولت الأعمال الدرامية، والساخرة، في السابق موضوعات الإرهاب، ومكانة المرأة وحقوقها في المجتمع، والنظم السياسية المارقة مثل قطر وإيران، وإشكالات المواطنة واختلاف ثقافات الأجيال.
وفي أكثر من عمل ظهر هذا الشهر تكرر الحديث عن إسرائيل واليهود، والتعايش، لأنه يعكس حوارات اليوم، وليس حديث العرب البعيدين عن جبهة الصراع فقط، بل بين شباب الفلسطينيين الذين أصبحوا يتحدثون بلغة مختلفة عن آبائهم. أن تقام علاقات سياسية مع إسرائيل أم لا، أن تفتح الأسواق لها أو يسمح بالتشارك الرياضي معها، فهي شؤون تترك للسياسيين. الدراما التلفزيونية صدى المجالس، وهي إن كانت لا تعبر عن سياسة فعلينا ألا نستهين بتأثيرها، لأنها مؤشر على التغيير الاجتماعي الذي هو من محركات التغيير السياسي. فقد كان للدراما الرمضانية دور مهم في محاصرة الإرهاب، والتخلص من العادات الاجتماعية المعيقة للتطور، وحاصرت المتطرفين والمتشددين في السابق.
وفيما ينقل المسلسل الكويتي «أم هارون» صفحة من التاريخ الإيجابي بين اليهود والعرب، فإن المسلسل المصري المضاد له «النهاية» فانتازيا عن القضاء على إسرائيل. وقد يبدو غريباً أن ينتج في بلد وقّع اتفاق سلام مستمراً إلى اليوم، لكنه يبقى عملاً تلفزيونياً لا يستوجب أن يحمل أكثر من خيالات الكاتب ويعكس التمنيات القديمة.
وهناك الأعمال المسيسة المباشرة، مثل الدراما التركية التاريخية الموجهة بتمجيد الشخص أو الفكرة. فهي غالباً لها أهداف مرسومة، بخلاف الأعمال الدرامية العربية الرمضانية التي في معظمها تناجي الشؤون الحياتية. وعندما توقف بثّها على المحطات الرئيسية مثل «إم بي سي» خسرت الدعاية التركية التي كانت تظهر في رمضان وبقية أشهر السنة.
الصراع على الأعمال الإبداعية هو المحك والامتحان، والجمهور هو الحكم.