ترمب وبيوكانن... صدمة ومقارنة!

الدار البيضاء اليوم  -

ترمب وبيوكانن صدمة ومقارنة

حسين شبكشي
حسين شبكشي

لا تزال توابع الصدمة الأميركية ومشاهدها المذهلة تحتل عناوين الأخبار. والصدمة المعنية هنا هي مشاهد الاقتحام الهمجي لأنصار الرئيس دونالد ترمب لمبنى الكابيتول، الذي يحتوي على غرفتي الكونغرس: مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ونظراً لما لهذا المبنى من مكانة خاصة جداً وهيبة تميزه وتاريخ مهم يعززه، حتى أصبح يشار إليه بأنه قلب الديمقراطية في العالم، كان لاقتحامه والعنف المصاحب، الوقع الصادم ليس في الداخل الأميركي فحسب، ولكن في العالم بشكل عام، وفي المعسكر الغربي منه على وجه الخصوص.

رجل طلى وجهه بألوان العلم الأميركي ارتدى رداء من الفرو على نصف جسده ووضع غطاء رأس بقرنين يحتل مكتب مجلس الشيوخ، وآخر يحمل علم الحرب الأهلية الانفصالية يلوذ بمنصة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، بالإضافة إلى مشاهد أخرى مليئة بالعنف والكراهية والدم، لمجموعة من المحرضين المشاغبين الذين سموا أنفسهم «الوطنيين» (وهو الاسم الذي يتبناه العنصريون حول العالم عندما يغلب عليهم الخطاب العنصري البغيض الخبيث).

وصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سدة البيت الأبيض بصورة مثيرة للجدل، واستمر عهده صادماً ومثيراً للجدل على أكثر من مستوى وفي أكثر من صعيد. أصبحت الإهانة ممكنة، وبات التمييز سمة عامة، والتقاليد لم يعد معترفاً بها، واحترام الفصل بين السلطات واحترام القانون مسألة تحتمل وجهتي نظر. أهين العلم والعلماء والطب والمختبرات في مواجهة «كوفيد - 19»، تم اللجوء إلى نظريات المؤامرة لتبرير الفشل في مواجهة الجائحة الفتاكة.

أهان ترمب اللاجئين والمكسيكيين بشكل علني وغير مسبوق، وأقر سياسات تدعم هذا التوجه وأطلق تشريعات تدعمه بامتياز، مما أجج المناخ العام وساهم في تقسيم المجتمع بشكل لا يمكن إغفاله. خسر بالتدريج كتلته الانتخابية التي كانت تدافع عنه... الجمهوريون كحزب انشقوا عنه وكذلك المحافظون ومعهم الإنجيليون عندما أصبح الرجل يطعن ويشكك في القيم الدستورية وصلب النظام الديمقراطي الأميركي، ولا يقر بنتائج الانتخابات نفسها (مشككاً بالتالي في شرعية المشرعين المنتخبين أنفسهم). لقد أصبح الرئيس «الغوغائي النرجسي الخطير فاقد الأهلية» (حسب وصف رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي) عبئاً ثقيلاً لم يعد من الممكن الدفاع عنه ولا الإبقاء عليه، بعد أن أدت نداءاته إلى أنصاره لاعتدائهم على مبنى الكونغرس محدثة لصور ستكون أيقونات لن ينساها التاريخ أبداً.

يصف المتخصصون ومؤرخو الرئاسة الأميركية الرئيس جيمس بيوكانن، بأنه الرئيس الأسوأ في التاريخ الأميركي بسبب ضعفه وسوء أسلوب إدارته لشؤون سياسة البلاد خلال السنوات الممهدة لقيام الحرب الأهلية المدمرة. ولكن هناك رأياً آخر منتشراً في أروقة المراكز الأكاديمية المرموقة المهتمة بالشأن السياسي الأميركي عموماً، وأداء مؤسسة الرئاسة تحديداً مفاده أن الرئيس ترمب تفوق على بيوكانن في «سوء الأداء»، وترك البلاد على شفير الغضب والكراهية، ومشاهد تذكر بحرب العصابات ومناخ حرب أهلية جديدة.
قال لي أحد الأصدقاء بعد أن رأى بعينه المشاهد الصادمة التي أصابت مبنى الكونغرس: «أميركا لم تعد أميركا»، فأجبته بهدوء «ولكن أميركا عادت أميركا بعد أقل من ساعتين من هذه المشاهد الصادمة، عندما سيطرت على الوضع دولة المؤسسات وحكم الأمور الدستور والقانون». في أميركا القانون والدستور فوق الرئيس. ومؤسسة الرئاسة ليست دونالد ترمب. والمحزن المضحك كان تعليقات رابطة مشجعي دونالد ترمب في العالم العربي، الذين أنكروا آراء جناح ترمب نفسه من أمثال ليندسي غراهام وميتش ماكونيل والمحكمة العليا، بل حتى نائبه مايك بنس، واستمروا في نظريات ساذجة لتبرير هزيمة ترمب وتصرفاته اللاحقة.

الضرر المهول الذي تسبب فيه دونالد ترمب على حساب الثقة في الآلة السياسية والانتخابية في الولايات المتحدة، مسألة ستتطلب مجهوداً ووقتاً لإعادة بناء الثقة، وهذا لا يخدم سوى من كان له مصلحة في ذلك. شخص وحيد يضحك فرحاً من قلبه اليوم. تأذى من الهيمنة الأميركية على الساحة السياسية فذاق المر منها في أفغانستان والشيشان وداغستان وجورجيا وأوكرانيا، وبكى حرقة مع سقوط جدار برلين والاتحاد السوفياتي معه، ولديه قناعة شخصية بأن ميخائيل غورباتشوف كان «يخدم» أميركا وتسبب في انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي كان يتطلع لرد الدين لأميركا من جنس العمل نفسه. هذا الشخص هو فلاديمير بوتين.
أميركا ستطوي صفحة دونالد ترمب، أما الضرر الذي تسبب فيه فتلك قصة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب وبيوكانن صدمة ومقارنة ترمب وبيوكانن صدمة ومقارنة



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca