أشباح «المؤامرة» تطارد اللقاح

الدار البيضاء اليوم  -

أشباح «المؤامرة» تطارد اللقاح

بكر عويضة
بكر عويضة

بعدما لازم هوس «المؤامرة» فيروس «كورونا»، منذ بدء ظهوره، وحتى هذا اليوم، ها قد جاء الآن دور التطعيم بلقاح مضاد له، كي يأخذ هو الآخر مكانه في طابور نظريات التآمر، التي تكاد تُلحَق بأي أمر، حتى لو لم يتوفر أي سند. أعرف ثلاثة أصدقاء، اثنان منهم يقيمان في لندن، أما الثالث فيقيم في الولايات المتحدة، وثلاثتهم يتسمون بعمق التجربة في تخصص كل منهم، وفي ثقافتهم العامة بمجالات الحياة كافة. خلال المناقشات، يمكن بوضوح ملاحظة أنهم ليسوا على اتفاق حول مختلف القضايا الخطيرة التي تعصف بالعالم، لكنني حين أشرت إلى الفرح العالمي المصاحب لاكتشاف لقاح ضد «كورونا»، لاحظت أنهم يتفقون على التخوّف من تقبّل الأمر بلا أي تشكك، وبالتالي يرفضون تلقي التطعيم فوراً. لماذا؟ أسأل، فيأتي الجواب بما مضمونه؛ على الأقل حتى تثبت فاعلية اللقاح تماماً، ومن ثم يتضح عدم وجود «مؤامرة» تزعم أن التطعيم، خصوصاً في مجتمعات الغرب، يستهدف التخلص من أكبر عدد بين كبار السِن تحديداً، لأنهم يشكلون العبء الأساس على ميزانيات الدول لجهة توفير خدمات ما بعد مرحلة التقاعد، بشكل عام، والرعاية الصحية بشكل خاص.

كثيرون، على الأرجح، سمعوا، أو قرأوا، كلاماً يدور حول المضمون ذاته؛ أي التخوّف من اللقاح، أو التشكيك في مراميه. ربما هو الخوف الذي يسكن نفس الإنسان تجاه أي جديد، سواء في حالة ظهور فيروس محيّر، يؤدي إلى مرض فتاك، كما «كوفيد - 19»، أو عند اكتشاف علاج مضاد له. فجأة، يتغير سؤال المتخوِّف الذي يوجه الاتهام من: لماذا لم يُكتشف الفيروس قبل انتشاره؟ إلى: لِمَ أمكن التوصل إلى لقاح فجأة؟ لن يساعد على وقف هكذا هلع أن منصات ما يُسمى «التواصل الاجتماعي» تعمل بلا حسيب أو رقيب، إلا فيما ندر من الأمور، لذا يتسارع انتشار أي كلام، في شأن كل شيء، بصرف النظر عن الصواب والخطأ، فما العجب، إذنْ، إذا تزايد هاجس «مؤامرة» اللقاح عند البعض، بل وأصبح نوعاً من الفزع؟
في الواقع، ليس من عجب. سوف أدع جانباً المثال الذي أوردتُ قبل أسطر من واقع ما أسمع شخصياً، فأستعين بما بثت «فرانس برس»، نقلاً عن دراسة أجرتها «فيرست درافت»، المنظمة غير الربحية التي أُسست عام 2015 لتقديم معلومات تعين على فرز القيّم من الغث فيما يُبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي. جاء في الدراسة أن نظريات «المؤامرة» المُروّج لها، خصوصاً في المجتمعات التي تتحدث الفرنسية، تدعي أن اللقاح سيؤدي لزرع شريحة إلكترونية في الجسم. محض هراء، بالطبع. لكن الدراسة توضح السبب: «عندما يتعذر على الناس الوصول بسهولة إلى معلومات موثوق بها عن اللقاحات، وعندما تكون الريبة كبيرة لدى الأشخاص، والمؤسسات المعنية باللقاحات، فإن المعلومات الخاطئة تملأ هذا الفراغ بسرعة كبيرة، وتغذي تدريجياً عدم الثقة المتزايد تجاه اللقاحات».

استنتاج في غاية الأهمية، وتزيد أهميته عندما نقرأ أن الدراسة أجرت فحصاً لأربعة عشر مليون منشور على شبكات التواصل الاجتماعي، تضمن كلمتي «تطعيم» و«لقاح» باللغات الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية، في الفترة ما بين منتصف يونيو (حزيران) ومنتصف سبتمبر (أيلول) الماضيين، أوضح الفحص أن موضوعين هيمنا فيما نُشر باللغات الثلاث هما؛ الدوافع السياسية والاقتصادية وراء اللقاحات، ثم سلامة اللقاحات وضرورتها. مهم كذلك أن الدراسة لاحظت وجود «تحالفات متناقضة في آيديولوجياتها» بين حركات «التحرريين»، المعارضة لإجراءات الإغلاق في أوروبا، وبشكل خاص في الولايات المتحدة، وبين المعارضين للقاحات عموماً، ومجموعات اليمين المتطرف، وما يُسمى «العصر الجديد» وحركة «كيو أنون QAnon» الأميركية، ذات الجنون المولع بوجود «مؤامرة»، ثم إن ما يجمع هذه التناقضات كلها، هو الوقوف ضد اللقاح المضاد لمرض «كوفيد - 19». أما في كل هذا بعض من عجب يسمح بالقول إن بعضاً من شرور نظريات التآمر يبيح الضحك فعلاً؟ بلى، ثم إن ما يزيد من استغراب المرء أن يشطح خيال البعض في وجود شبح «مؤامرة» خلف أي لقاح، هو أن هكذا هاجساً نشأ في مجتمعات الغرب ذاتها، التي ضربها الفيروس أكثر من غيرها، سواء في عدد الإصابات، أو الموتى. تبقى ملاحظة، لست أدري كيف أصفها، لكن ملخصها هو أن حكاية «المؤامرة» لم تُنتَج هذه المرة في العالم العربي، وإنما أتته من الخارج. جيد، المهم جداً هو ألا يهتم بها إطلاقاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أشباح «المؤامرة» تطارد اللقاح أشباح «المؤامرة» تطارد اللقاح



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca