متى يعزف الفنان ألحانه؟

الدار البيضاء اليوم  -

متى يعزف الفنان ألحانه

بقلم - طارق الشناوي

كثيراً ما يبدد المبدع طاقته خارج الحلبة، ثم يكتشف أنه كان يجري وراء سحاب، لا أنكر أن هناك معارك تفرض عليه، مثلاً عندما تمارس الدولة قيودها، أو تصادر اسمه من القائمة، وتغلق أمامه كل منافذ التعبير، كُثر من الفنانين واجهوا في مشوارهم قرارات الاستبعاد، صلاح السعدني دفع في السبعينيات ثمن غضب السلطة - أثناء حكم أنور السادات - من شقيقه الكاتب الكبير محمود السعدني، وتم التعتيم على صلاح الذي قال لي، إنه اضطر لقبول «عمل إداري في فرقة (الفنانين المتحدين)»، من أجل اكتساب قوت يومه، كثيراً ما شعر محمود بالأسى، لأن أقرب الناس إليه يدفع الثمن، بينما صلاح كان يحرص على تبديد هذا الإحساس، ويؤكد أن تلك المرحلة لم تذهب هباء، استغلها في إعادة شحن (البطارية) بالقراءة والتأمل ليصبح في لياقة تؤهله عندما تأتي الفرصة للإبداع.
فوجئ الثنائي الشاعر أحمد فؤاد نجم والملحن الشيخ إمام عيسي بحذف اسميهما في عدد من الأعمال الفنية، منها نسخ فيلم «العصفور»، كانت هذه هي التعليمات التي طلبتها الدولة للسماح بتداول الفيلم بعد مرحلة معاناة طويلة من الرفض الرقابي، ووافق مخرج الفيلم يوسف شاهين، على تلك المقايضة، لأن البديل هو مصادرة النسخ كلها، واكب تلك المرحلة الزمنية انتشار أشرطة الكاسيت التي اخترقت الحدود، وهكذا انطلق الثنائي نجم وإمام للعالم العربي وصارا هما الأقرب للوجدان، أغانيهما حققت حالة من الحضور الاستثنائي في الشارع، الفنانة محسنة توفيق، كثيراً ما كانت تأتي تعليمات شفهية باستبعادها في اللحظات الأخيرة بعد التعاقد معها، وفي آخر لقاء بمهرجان (أسوان) السينمائي قبل رحيلها بأسابيع قليلة قالت إنها راضية تماماً عما حققته، حتى الأدوار التي منعوها من أدائها لم تشعرها أبداً بالندم، عيون الناس في الشارع كانت هي البلسم، عندما تلتقيهم فتقرأ الحب والاحترام.
تعرض الشاعر نزار قباني لمؤامرة لإبعاده عن الخريطة الغنائية في مصر، بعد أن نجحت قصائده على حناجر المطربين منذ «أيظن»، التي لحنها محمد عبد الوهاب وغنتها نجاة، فقرر أحد الشعراء القريبين من صانع القرار أن يشي باسمه للأجهزة السيادية، باعتباره يتهكم على الرئيس جمال عبد الناصر في قصيدة «هوامش على دفتر النكسة»، تم منع كل قصائده الغنائية، حتى تمكن من إيصال صوته للرئيس، من خلال رسالة، فأعادوا اسمه مجدداً للتداول.
من الممكن أن يصادر الفنان لأسباب أخرى مثل أحمد عدوية الذي منعت أغانيه منذ نهاية الستينيات، حتى مطلع الألفية الثالثة، لأنه في عُرف القائمين على الإعلام يهدد الذوق العام، وعندما قرر أن يغني كلمات هادفة تتكئ على موقف اجتماعي مثل «زحمة يا دُنيا زحمة»، استوقفتهم هذا المقطع «مولد وصاحبه غايب» اعتبروها تحمل قدراً من التعريض بالدولة فأمعنوا في استبعاده، إلا أنه صار نجماً في السينما، وتجاوزت أغانيه في تداولها الأرقام المليونية، الآن يشار إلى عدوية باعتباره هو العنوان الصحيح، لما ينبغي أن يكون عليه الغناء الشعبي الأصيل.
الكاتب الكبير عبد الرحمن الخميسي كان يردد في أواخر سنوات عمره: «عشت أدافع عن قيثارتي، ولا أعزف ألحاني»، ورغم ذلك فإن الوجه الآخر للصورة هو أن سنوات الصمت والاستبعاد، قد تصبح هي الوقود الطبيعي لإشعال وهج الإبداع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى يعزف الفنان ألحانه متى يعزف الفنان ألحانه



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca