العشاء السحري

الدار البيضاء اليوم  -

العشاء السحري

سمير عطاالله
سمير عطاالله

لا أعرف من هو كاتب السيناريو، لكن المشهد يذكرني بأفلام «الموجة الجديدة» التي بدأها الفرنسيون في الستينات. تلك الأفلام التي تصور الواقع كما هو، بعدما كان يبدو أمراً غير معقول في السينما التقليدية. وتحرك أبطاله كما هم في الحياة، لا كما في الروايات الملطفة والمشذبة.

لكن إليكم ما حدث مساء الاثنين في بيروت. تصل طائرة الرئاسة الفرنسية حوالي الثامنة مساء، موعد انقطاع الكهرباء في المدينة عادة، ويترجل منها رئيس فرنسا وصحبه. يستقبله الرئيس اللبناني ووفده. صور تذكارية وسجادة حمراء، ومن ثم يترك رئيس الجمهورية الفرنسية، الجميع، يذهبون حيثما يشاءون، ويتجه هو إلى «الرابية» على بعد 20 دقيقة، حيث تنتظره أميرة لبنان على عشاء سري، وهي تضع على رأسها منديلاً شفافاً مطرزاً مثل جدتها أو «ستي، التي من كحلون».

تقتضي الأسطورة ألا تظهر الأميرة على الناس. تنتظر داخل المنزل الحجري، ولا تخرج للقاء الفرنسي القادم إلى العشاء، وتلقاه راسمة أبداً تلك الابتسامة التي لا تكتمل، بعضها حنية وبعضها من شقاء الدنيا على أهلها الكبار. سوف يُقبِّل إيمانويل ماكرون، يدها، كما يفعل الفرنسيون دوماً، وبعد أن ترحب به يقول لها: فلننس الرسميات. نادني إيمانويل.

تزداد فيروز خجلاً لقد خطرت لمخيلتها السحرية خواطر كثيرة، وتحركت فوق المسرح بأدوار كثيرة. هذا المشهد لم يخطر أبداً لنهاد حداد «التي ستها من كحلون». أن يأتي رئيس فرنسا من المطار مباشرةً إلى المنزل الذي كُتبت فيه أجمل ألحان وأشعار الشرق. لكن ها هو قد أتى. وها هو يبدأ اللقاء قائلاً: شكراً لاستقبالي في هذا المنزل العبقري.

تتذكر فيروز طفولتها في منزل أهلها في «زقاق البلاط»، غرفتان ومطبخ. ولما لم يكن في المنزل «راديو»، كانت تصغي إلى الأغاني من بيت الجيران. ولن تنسى لهم ذلك الفضل الأساسي في حياتها، بل سوف تحييهم بذلك الصوت الفجري المشرق «عم صبحكم بالخير يا جيران». ومن زقاق البلاط سوف تنزل ذات يوم إلى الإذاعة القريبة لتغني مع الفرقة. ولا تعود الفرقة تسعها، ولا الإذاعة. وتصير هي لبنان. هي الشدو الباقي في الحرب، وهي المصالحة الوحيدة في القتال، وهي الراية التي تجمع المتكارهين والمتحاقدين.

ترك لبنان خلفه إيمانويل ماكرون، وذهب إلى العشاء عند فيروز. وعندما يمتدح الطعام سوف تقول له «هودي من شغلي. بدك تاكل بعد». ويقدم لها وساماً آخر من الأوسمة التي مُنحت لها من قبل. وسوف تقول له: «ييه، تسلملي عينك». يبتسم إيمانويل. يتحدث طويلاً عن حبه لها «صحيح إنني لا أفهم الكلمات، لكن لا ضرورة لذلك. صوتك مثل الموسيقى الكلاسيكية يُعشق ولا يُفسَّر». يعيش ماكرون لحظات أحلامية، قبل أن يعود إلى بيروت ليبحر في سياسات لبنان، القمامة على جانبي الطريق. و«بلد الأرز» بلد الزبالة. وليس لدى اللبنانيين ما يحتفلون به. ولا هم يملكون ثمن الاحتفال. لا تغني فيروز لأحد. لكن على العشاء دندنت له «بحبك يا لبنان». وردَّد ذلك معها بلكنة فرنسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العشاء السحري العشاء السحري



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"

GMT 03:32 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة توضح دور الخوف في عملية انقراض الحيوانات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca