عالم ألفاظ

الدار البيضاء اليوم  -

عالم ألفاظ

سمير عطاالله
سمير عطاالله

استخدم وزير الدفاع في إدارة جورج بوش الابن، دونالد رامسفيلد، مصطلح «القارة العجوز» في وصف أوروبا؛ لأنها رفضت مشاركته في غزو العراق. وكان يقصد بذلك أن أميركا هي القارة الجديدة والعالم الجديد. ويفهم المرء أن يكرر رجل ينتمي إلى قوة حديثة مثل أميركا، هذا المصطلح التهكمي، لما حققه العالم الجديد من تقدم على العالم الذي تحدّر منه. فالأكثرية الساحقة من الشعب الأميركي ذات جذور أوروبية. وإذا ما تهكّمت هنا أو اعتزت هناك، فالحال واحد والمآل أيضاً.

المشكلة هي في من استسهلوا استخدام هذا المصطلح من أهل الديار. فهم يشمتون «بالقارة العجوز» في حين لاجئونا يغرقون في البحر إليها بالآلاف. كل ألف بمركب. وتسخر فرقة الشمّاتين من القارة مع أنها لا تعجز عن تنظيف شوارعها كل يوم، ولا عن معالجة مرضاها، ولا عن ضمان شيخوخة أهلها.

في مراجعة عاجلة للتاريخ – إذا تسنّى الوقت وسمح التواضع – يتبين لكتّابنا الناشئين أن هذه القارة اكتشفت العالم وأعادت بناءه. أفريقيا لم تفكر لحظة في الخروج أبعد من أنهارها وغاباتها، والصين كانت تتجه دوماً إلى الداخل، وتبني من حولها أعلى الأسوار.

القارة «العجوز» توزعت وهي شابة في كل الأمكنة. وحاولت استعمار جميع الشعوب. ودعني أقل لك، يا مولاي، ما هو الخطأ الهائل الذي ارتُكب. الخطأ هو أنه لم تكن لدى أوروبا أعداد كافية من الأسوياء لإرسالهم إلى تلك المناطق، فراحت ترسل إليها فائض الحثالات والمجرمين والمحكومين. الألوف منهم أرسلتهم إلى صقيع كندا وغابات أستراليا. ومستنقعات آسيا. أبعدتهم من أجل أن تنفيهم وتتخلص من شقاوتهم، وفي الوقت نفسه من أجل أن يرسلوا إليها الذهب وخشب الصندل والبخور والبهار والطيب.

لكن ماذا كانت النتيجة بعد مر السنين؟ كانت قيام مجتمعات بالغة التقدم والرقي، مع أن فرنسيي كندا ما زالوا يتحدثون بلكنة القراصنة، ولكنة الأستراليين تغلب عليها لكنة الأزقة في لندن، ولهجة أبطال تشارلز ديكنز. نعم. إنها غلطة كبيرة وفظة أيضاً. لكن الخطأ الذي ارتكبته أوروبا عن جهل وعمد صار فيما بعد صواباً ونموذجاً. مجتمعات السجناء المبعدين أصبحت الأكثر تطوراً وعدالة. هذا لا يعني أن هناك استعماراً حسناً واستعماراً رديئاً. كل ما هو احتلال هو عبودية. ولكن يحسن بنا اختيار ألفاظ دقيقة في وصف الوقائع بعد عقود من الألفاظ المركبة من جهل وعنجهية. وكلاهما واحد في أي حال. فإنك لن ترى عاقلاً مغروراً. ولا العكس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم ألفاظ عالم ألفاظ



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري

GMT 13:59 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

هجرة "النجوم" شرًا لا بد منه

GMT 04:24 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

السجن 10 سنوات للجهادي المرتبط بمهاجمة "مانشستر أريينا"

GMT 16:31 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

فنانة صاعدة تهدد مخرج مغربي بـ"فيديو إباحي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca