في أم درمان

الدار البيضاء اليوم  -

في أم درمان

سمير عطاالله
سمير عطاالله

توفي الصادق المهدي بعيداً عن أم درمان في السودان، بينما يقبع العسكري الذي أطاحه في سجن أم درمان، بعيداً عن الحكم وعن الناس وعن الثروات النقدية التي جمعها بكل أنواع العملات وفئاتها. وكما هي العادة في جميع العسكريات العربية، أطاح عسكري مجهول زعيم أكبر حزب سوداني، والرجل قادم من أكسفورد (1957) حاملاً إجازة في الاقتصاد بدرجة استثنائية. وكان الصادق ينوي تحويل السودان إلى جامعة، فعمل المشير البشير على تحويله إلى ثكنة وسجن. ولم يبق حليف أو خصم أو هجين إلا وأرسله إلى السجن أو المنفى أو الإقامة الجبرية.

ظهرت رتبة «المشير» للمرة الأولى في الديار، عندما منحها عبد الله السلال لنفسه، ونشر نجومها على كتفيه ووزع أوسمتها على صدره. وعندما لفته صديق إلى أنه سوف يقع في مشكلة، لأن جمال عبد الناصر لا يحمل سوى رتبة «بكباشي»، أو مقدم، لم يهتم للأمر. تعجبه رتبة مشير.

عاد الصادق المهدي من أكسفورد بحلم. أو مجموعة أحلام، وصفت كلها تحت عنوان «أكسفورد» وآفاقها. طبعاً كانت أحلاماً صعبة وبعيدة جداً والبلد في غاية الفقر. لكن الحلم نفسه كان شرعياً وحقاً. قبله كان قد عاد من جامعات بريطانيا نهرو، ولي كوان يو، وجومو كينياتا. كما عاد كوامي نكروما من جامعات أميركا، تلميذاً وأستاذاً.

قلب العسكريون البلدان الهادئة والحالمة في كل مكان. في سوريا والعراق والسودان واليمن والجزائر وليبيا وتونس وغيرها، وحولوا العالم العربي دبابات وانقلابات وحروباً لفلسطين، لم تر إحداها فلسطين حتى بالمنظار.

أعاق المشير البشير آمال واحد من أغنى البلدان العربية بالطاقات والثروات. فقد نصف السودان ودمر أقاليمه وشرد الملايين من شعبه وهو يرقص بالعصا، ورجل مثل الصادق المهدي إما في السجن أو المنفى أو الإقامة الجبرية. وعزل السودان عن المجتمع المدني المنتج القائم على التربية والتعليم والزراعة والصناعة. وعلى سبيل المثال استبدل بالسعودية أسامة بن لادن، وفرنسا بكارلوس، وتحدى جميع قوانين وأعراف المجتمع الدولي، مستعرضاً بكل فخر خرقه للمذكرات الدولية التي صدرت في حقه.

الصادق كان أفضل الاحتمالات التي عرفها السودان: علمه ومعرفته وأخلاقياته الوطنية والقومية. لكن المشير أبعده لكي يتحالف مع الدكتور حسن الترابي زوج أخته الذي كان يحلم، بدل تطوير السودان، بقيادة العالم وإصلاح شؤون الكرة الأرضية وإيقاظ الكون من سباته.

إطاحة الصادق والنظام المدني، كانت نتائجها العصا والجنجويد ومذكرات الاعتقال الدولية، وصورة المشير بين صناديق اليورو والدولار، وحتى الجنيه السوداني المسكين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في أم درمان في أم درمان



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري

GMT 13:59 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

هجرة "النجوم" شرًا لا بد منه

GMT 04:24 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

السجن 10 سنوات للجهادي المرتبط بمهاجمة "مانشستر أريينا"

GMT 16:31 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

فنانة صاعدة تهدد مخرج مغربي بـ"فيديو إباحي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca