مفكرة القرية: موسم الريحان

الدار البيضاء اليوم  -

مفكرة القرية موسم الريحان

سمير عطاالله
سمير عطاالله

مرة أخرى عن رواية «نارنجة»، جوخة الحارثي. منها أعرف أن عُمان أرض تكثر فيها الرياحين. وأتطلع حولي في القرية التي كانت تكثر فيها عطور الريحان ولوناه، الأسود والأبيض، فلا أرى شيئاً أو أثراً.

أنا من منطقة يكثر فيها الريحان حتى أن جبلاً كاملاً سمي باسمه: جبل الريحان. وأول مرة في حياتي رأيت جملاً يوم أفقت طفلاً على قافلة صغيرة تملأ ساحة القرية، الصغيرة هي أيضاً. وكان مشهد النوق رابضة تستريح وتأكل منظراً عجيباً ومفرحاً وفيه روعة. وما لبثنا أن عرفنا أن أصحاب القافلة جاءوا من بلاد بعلبك، يحملون العدس والبقول الأخرى، لكي يعودوا بالريحان. أو الآس. جاءوا مسافة نهار وليلة، جبالاً وأودية وغابات، حاملين من سهل البقاع الخصيب مثل ضفاف الأنهر، نتاجه السهل، يقايضون بنتاج الجبل الصعب، وما يحكى عنه من فوائد، خصوصاً لجمال الشعر عند النساء، ومكافحة الحصى عند الجميع.

كان الجمالون يصلون في الليل، فلا يشعر بوصولهم أحد، وينام كل منهم إلى جانب ناقته، مربتاً على عنقها، يخاطبها بكلام في محبة وامتنان، ثم يهدأ الجميع، وعندما يفيقون في الصبح تكون جلبة وضوضاء واستعادة صداقات من العام الماضي، ويتجمع الأطفال يتأملون في ذهول هذه الهياكل الهائلة الحجم، وقد نُزلت عن ظهورها أحمال العدس والحمص ومؤونة الشتاء، الذي سوف يكون طويلاً ومعتماً وشديد البرد، تغلق فيه البيوت، ولا يخرج أحد إلى مكان، وهنا عز المؤونة وأهميتها.


ومعظمها كان لقاء موسم الريحان الذي ينبت عندنا من تلقائه. لا يحرث ولا يُسقى ولا يُرض بالأدوية. مجاناً يظهر وينمو ويزهر ويعقد ويصير في أهمية العدس وسائر الحبوب. تستمر السوق حوالي ساعتين أو ثلاث. وينتظر الأطفال في الساحة لكي يروا تلك الأعجوبة الجميلة أيضاً: كيف تقوم الإبل الضخمة على ركابها وتنفض عن نفسها خدر الراحة، وتستعد لرحلة العودة في الجبال والأودية.

كيفما تطلعت حولي الآن، لا أرى ريحانة واحدة. العدس يأتي معلباً من فرنسا، والبقول الأخرى تأتي من بلاد بعلبك معلبة كذلك. تعرفت في غداء احتفالي على رجل ينادى «العميد»، فسألت إن كان عميداً في الجيش أو في الجامعة، فقيل إنه عميد أصحاب شركات الأغذية المعلبة. فسألني: وحضرتك؟ قلت أنا ريس الريحان في سالف العصر والأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية موسم الريحان مفكرة القرية موسم الريحان



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري

GMT 13:59 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

هجرة "النجوم" شرًا لا بد منه

GMT 04:24 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

السجن 10 سنوات للجهادي المرتبط بمهاجمة "مانشستر أريينا"

GMT 16:31 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

فنانة صاعدة تهدد مخرج مغربي بـ"فيديو إباحي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca