اللقاء مع الإسرائيليين: التوقيت والخلط غير البريء

الدار البيضاء اليوم  -

اللقاء مع الإسرائيليين التوقيت والخلط غير البريء

أشرف العجرمي
بقلم : أشرف العجرمي

مرةً أخرى تقوم الدنيا ولا تقعد على لقاء فلسطيني مع مجموعة شخصيات إسرائيلية يمثلون «برلمان السلام» في إسرائيل. وهذه المرة كانت صاخبةً بشكل خاص شابها الكثير من الخلط والتخوين والتجريم والسباب. وأنا هنا أكتب للتوضيح وأيضاً لخلق حالة من النقاش الصحي لمن يريد أن يناقش بعقل مفتوح بعيداً عن الكليشيهات الجاهزة التي نجترها في كل المناسبات بدون دراسة عميقة متفحصة لحيثيات الأمور، فاللقاء حصل مع أكثر من 50 شخصية إسرائيلية تتشكل من وزراء وأعضاء كنيست سابقين ومحاضرين وشخصيات سياسية واجتماعية وإعلاميين جاؤوا جميعاً ليعبروا عن رفضهم لصفقة القرن وتأكيد تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. والبيان الذي صدر عن هذه المجموعة يعكس ذلك بكل وضوح بدون أدنى شك، كما أن اللقاء يندرج في صلب عمل «لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي» التي شكلت بقرار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعها في الرابع من شهر كانون الأول من العام 2012 في المقاطعة والتي كلف الأخ محمد المدني برئاستها. وتشكيلها بالأساس ينسجم مع قرارات منظمة التحرير التي تجيز الحوار مع الإسرائيليين الذين يؤيدون حقوق الشعب الفلسطيني من أواخر السبعينات.

المنتقدون للقاء كُثر، ولكن الأجندات أيضاً كثيرة ومخلوطة بشكل غريب وبعضها غير بريء إطلاقاً، فهناك من يعارض مبدئياً وأيديولوجياً فكرة اللقاءات مع أي إسرائيلي بغض النظر عن موقفه، وهذه مجموعة صغيرة ولكنها قائمة منذ سنوات طويلة وموقفها مفهوم وواضح، ولا جدال معها. وهناك مجموعة إسرائيلية تعمل لصالح الخط الذي يقوده اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو والذي يعارض أية لقاءات فلسطينية إسرائيلية في إطار معارضة موقف الحكومة، لهذا الغرض شكلت الحكومة الإسرائيلية منظمة تسمى «ان. جي. أو. منيتور» مهمتها مراقبة منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية التي تنتقد الحكومة للعمل ضدها ولمنع تمويلها، وهي تحاول وقف أي نشاط إسرائيلي يمكن أن يضر بموقف حكومة نتنياهو ويفضحها أمام الرأي العام الدولي. وهم في هذا السياق يتهمون الإسرائيليين الذين يتعاونون مع الفلسطينيين بالعمالة للعدو ويسمونهم باليهود الكارهين لليهود. وليس غريباً أن يعمد وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان إلى سحب بطاقة الشخصيات المهمة وتصريح محمد المدني رئيس لجنة التواصل، وأيضاً أن يوجه له نتنياهو شخصياً تحذيراً بعدم التدخل في الشؤون الإسرائيلية وإلا سيسجنه.

وهناك معارضة للقيادة وللرئيس ابو مازن ترى في حدوث مثل هذه اللقاءات فرصة لمهاجمة الرئيس، وهذا ينطبق على معظم فصائل المعارضة عموماً ومع أشخاص لا تعجبهم سياسة الرئيس، وبالتالي تشكل هذه مناسبة لانتقاده والهجوم عليه، مع العلم أن بعض القوى تنسق مع الاحتلال وتدير معه مفاوضات وبينها وبينه اتفاقات تتجاوز حقوق شعبنا وتتخلى عن القدس والضفة الغربية. وهناك مجموعة لديها حسابات شخصية ربما مع فرد أو أكثر من الذين يحضرون اللقاءات ويريدون تصفية حسابات شخصية معهم، وهناك من يبحث عن الشهرة بالحديث المتطرف كثيراً في الانتقاد. 

هذا لا يعني بالمطلق إلغاء حق الناس في النقد والاختلاف حول أي موضوع بما في ذلك هذا الموضوع، فالاختلاف مسألة صحية وقائمة طوال الوقت في صفوف منظمة التحرير وبينها وبين الفصائل خارجها وفي داخل كل فصيل، ولكن عنوان الاختلاف يجب أن يكون واضحاً، فمن لديه أي ادعاء يمكنه أن يعبر عن موقفه بحرية وفي إطار احترام رأي الآخرين، خصوصاً وأنهم يمثلون الموقف الرسمي، موقف منظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل مرجعيةً لكل الفلسطينيين، وهي صاحبة الحق الحصري في التمييز بين ما هو وطني وما هو غير وطني. والتوجه هنا ينبغي ليس لمحاكمة المشاركين في اللقاءات أو تجريمهم وتخوينهم، بل لعنوان الشعب في هذا الموضوع: الرئيس وقيادة منظمة التحرير، فإذا هي قررت اننا لم نعد نريد حل الدولتين ولا نريد قرارات الشرعية الدولية ولا نريد لقاءات مع الإسرائيليين، عندها يتوجب التصدي لكل من يخرق هذا الموقف ويخالفه باعتباره خارجاً عن الإجماع والموقف الوطني.

وعودة للقاءات مع الإسرائيليين، هناك من انتقد مسألة التوقيت، مع أنه أيد الفكرة عموماً، على اعتبار أن توقيت اللقاءات بعد إعلان صفقة القرن هو غير مناسب ويثير الرأي العام. وحول هذا الموضوع ينبغي طرح السؤال: إذا لم يكن اليوم، بعد طرح الخطة الأميركية التي تشكل خطراً داهماً على حقوقنا وقضيتنا، لم يرتفع صوت الإسرائيليين المؤيدين للسلام والحل العادل للصراع على أساس دولتين على حدود الرابع من حزيزان من العام 1967، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحلاً عادلاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فلا حاجة لنا بهم ولا حاجة بعد ذلك للقائهم. إنه الوقت الأنسب لحث هؤلاء على قول لا لترامب ولا لنتنياهو الذي يخشى السقوط في الانتخابات ويخشى من تأثير أي صوت يهودي ضده.هناك حاجة لنقاش هادئ وبناء لخياراتنا لمواجهة صفقة القرن: هل نحن بحاجة لتغيير الرأي العام في إسرائيل والعالم، وهل نحن بحاجة للتأكيد على قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام، أم أننا بتنا نكفر ببرنامجنا، برنامج منظمة التحرير ونريد شيئاً آخر مختلفاً؟؟؟؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللقاء مع الإسرائيليين التوقيت والخلط غير البريء اللقاء مع الإسرائيليين التوقيت والخلط غير البريء



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca