المواجهات مع غزة: معضلة نتنياهو ومشروعه الكبير

الدار البيضاء اليوم  -

المواجهات مع غزة معضلة نتنياهو ومشروعه الكبير

أشرف العجرمي
بقلم : أشرف العجرمي

انتهت جولة المواجهات بين غزة وإسرائيل والتي بدأت أول من أمس بمبادرة من حركة «الجهاد الإسلامي» كرد فعل على تنكيل الاحتلال بجثمان الشهيد محمد الناعم باستخدام الجرافة العسكرية في مشهد آثار غضب واشمئزاز، ليس فقط الفلسطينيين بل كل من يتمتع بحس إنساني وبانتماء لبني البشر، وخلق حالة جدل في إسرائيل حول حجم الضرر الذي يسببه هذا المشهد البربري لصورة إسرائيل. ومن الواضح أن رد الفعل الذي أقدمت عليه حركة «الجهاد» والذي تصاعد بعد قيام إسرائيل بقصف هدف للمنظمة في دمشق وقتل اثنين من أعضاء الحركة وهما سليم سليم وزياد منصور، فيما تقول إسرائيل إنها محاولة فاشلة لاغتيال نائب رئيس الحركة القيادي أكرم العجوري الذي تحمله إسرائيل هو وزياد النخالة الأمين العام المسؤولية عن عمليات القصف، كان محدوداً ومتفقاً عليه بين «الجهاد الإسلامي» وحركة «حماس»، ولم يكن في الواقع يخرج عن نطاق رد الفعل المحسوب والذي لا يصل على مستوى الحرب الشاملة.

إسرائيل على غير عادتها لم تعمد لقصف مواقع تابعة لحركة «حماس» في هذه الجولة، حيث اعتادت على تحميل «حماس» مسؤولية كل ما يجري في قطاع غزة والرد باستهداف مواقع تابعة لها، والسبب في هذا هو محاولة التفريق بين الحركتين وتقدير سلطات الاحتلال أن «حماس» غير معنية بالمواجهة بعد قيام إسرائيل بتقديم بعض التسهيلات لغزة بناء على اتفاق التهدئة الذي رعته مصر وساهمت فيه قطر، وبالذات بعد زيارة العمادي لغزة ودفع الأموال القطرية لحركة «حماس»، وبعد زيارة رئيس جهاز «الموساد» وقائد الجبهة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي لقطر. وبالتالي لم تكن إسرائيل معنية بإدخال «حماس» في المعركة طالما أن الأخيرة غير راغبة في ذلك. وكانت التقديرات الإسرائيلية منذ البداية تشير إلى أن «حماس» ستضبط الأوضاع في غزة حتى لو تركت هامشاً لحركة «الجهاد» للرد على الجريمة الإسرائيلية النكراء بحق الشهيد الناعم.

وفي الحقيقة لم تكن الحكومة الإسرائيلية راغبة في توسيع رقعة المواجهة لسببين: الأول اقتراب موعد الانتخابات وعدم وجود إرادة في التورط في حرب لا يعلم أحد ماذا ستكون نتائجها، وقد تتسبب خسائر إسرائيلية جدية في توجيه ضربة قاصمة لفرص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الفوز في الانتخابات أو على الأقل في الحفاظ على الوضع الراهن الذي يشهد حالة من التوازن، وعدم الحسم بين الكتلتين الكبيرتين في إسرائيل. ويمكن لأي ورطة أن تحسم المعركة الانتخابية لصالح خصومه بقيادة زعيم تكتل «أزرق- أبيض» بيني غانتس الذي يتهم نتنياهو بالعجز تجاه غزة. والسبب الثاني هو أن المشروع الكبير والأخطر لليمين الإسرائيلي الذي يقوده نتنياهو مبني على الحفاظ على الوضع القائم في غزة أي الإبقاء على الانقسام الفلسطيني وسيطرة «حماس» على القطاع حتى الانتهاء من حسم موضوع الضفة الغربية بضم أكبر قدر منها في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

مسألة الوضع في الضفة بالنسبة لنتنياهو ستنتهي بعد ترسيم الحدود الإسرائيلية من جانب واحد بالتعاون مع الفريق الأميركي الذي وصل إسرائيل لهذا الغرض، والقيام بعد ذلك بالإعلان عن ضم المناطق التي تقع في الإطار المرسوم لإسرائيل حسب الخطة الأميركية المسماة «صفقة القرن». وأفضل وضع لتمرير هذا المشروع هو بقاء حالة الانقسام الفلسطيني كما هي عليه الآن. وإذا أخذنا بالاعتبار ما يقال في وسائل الإعلام الإسرائيلية حول زيارة رئيس «الموساد» وقائد الجبهة الجنوبية لقطر والتي استهدفت لقاء شخصيات قيادية في «حماس» وتثبيت اتفاق التهدئة طويل الأمد مقابل بعض التسهيلات التي تعزز وتطيل حكم «حماس» في غزة. فإننا سنرى الصورة بشكل أكثر وضوحاً بخصوص عدم رغبة نتنياهو في تخريب خطته ومشروعه حتى بثمن التسبب باهتزاز صورته نتيجة لجولة المواجهات الأخيرة التي ستبقى عالقة في أذهان الإسرائيليين، حتى التصويت في الانتخابات في يوم الثاني من آذار القادم، أي بعد أسبوع على انتهاء الجولة مع غزة.

المعارضة الإسرائيلية ستستخدم المواجهات مع غزة كدليل على فشل سياسة نتنياهو، وسيعمد غانتس لتكرار عبارة «هنية يهدد ونتنياهو يدفع» وهي باللغة العبرية على نفس الوزن، ويمكن أن تكون لازمة جيدة في الدعاية الانتخابية لغانتس، ولكن من الصعب التنبؤ بحسم الانتخابات لصالح المعارضة. وعلى الأغلب ان نتنياهو سيتضرر من جولة المواجهات الأخيرة، فقد اضطر لإلغاء تجمعين انتخابيين كان سيشارك فيهما في الشمال، بل إنه خشي من الإعلان عن مكان تواجده خشية من تعرض المكان للقصف وعودة الصورة المخجلة لدخوله الملجأ نتيجة للقصف.

ربما الأمر الأكثر تأثيراً في الانتخابات القادمة هو نسبة المشاركين في التصويت، فكلما زادت النسبة قلت فرص نتنياهو، وعلى هذا يراهن « أزرق- أبيض». وازدياد حصة القائمة العربية المشتركة إلى 15 مقعداً أو أكثر قد يكون الضربة الأهم للقضاء على نتنياهو. وإذا التزم أفيغدور ليبرمان زعيم «إسرائيل بيتنا» بوعده للناخبين بعدم السماح بالذهاب لجولة رابعة من الانتخابات، فهذا يعني دعمه لحكومة بزعامة غانتس وإسقاط نتنياهو حتى بثمن الاعتماد على دعم القائمة العربية من الخارج، ولكن كل هذا سيظهر بوضوح بعد الانتخابات وعلى ضوء النتائج التي سيحصدها كل طرف.

قد يهمك أيضا : 

اللقاء مع الإسرائيليين: التوقيت والخلط غير البريء

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المواجهات مع غزة معضلة نتنياهو ومشروعه الكبير المواجهات مع غزة معضلة نتنياهو ومشروعه الكبير



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca