هدنة المصلحة في إدلب

الدار البيضاء اليوم  -

هدنة المصلحة في إدلب

هاني عوكل
بقلم : هاني عوكل

كثر الحديث عن الفتور الذي أحاط باجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في موسكو الأسبوع الماضي، والمعاملة التي تلقاها الثاني من الأول الذي جعله ينتظر للدخول إلى غرفة الاجتماعات لأكثر من دقيقة.وسائل الإعلام وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرت أن أردوغان أهين في حضرة بوتين، لأنه انتظره وجلسا في قاعة اجتماعات بينما كان الوفد التركي واقفاً تحت تمثال كاترين الثانية التي تعتبر أحد أشهر الأباطرة الروس الذين هزموا الدولة العثمانية قبل أكثر من 120 عاماً.

وسائل إعلام تركية ذكرت أن التمثال ظل في قاعة الاجتماعات لسنوات طويلة، وعقدت لقاءات بين بوتين وأردوغان ورؤساء كثر في نفس الغرفة، في حين صدر عن مسؤولين في الحكومة التركية تصريحات مفادها أن ما جرى تداوله يشي بأن هناك نفوساً مريضة تريد الاصطياد في المياه العكرة وهؤلاء "ذباب إلكتروني".من السذاجة اختصار العلاقة بين روسيا وتركيا بما جرى في الاجتماع الأخير، بدليل أن الأولى وافقت على مقترح أنقرة بشأن تثبيت وقف إطلاق النار، ولو أن العلاقة متوترة بالفعل لكانت موسكو رفضت الرغبة التركية، لكن هناك مصالح مشتركة بين البلدين تتجاوز إعلان الخلاف والطلاق بالثلاثة.

روسيا أدركت أن تركيا بحاجة إلى قرار وقف إطلاق النار، لأنه سيعني عودة الهدوء إلى إدلب وفرملة انجرار أنقرة في حرب خاسرة، ويلحظ أن الأخيرة تبحث في هدنة دائمة وطويلة وهو عكس رغبة موسكو وكذلك الجيش السوري في إنهاء ملف إدلب بشكل كامل.ما جرى في اجتماع بوتين - أردوغان يعكس تفهم روسيا لمصالح تركيا في سورية، وكان من الممكن أن تقول موسكو لا للهدنة وتواصل الضغط في إدلب إلى أن تصبح في عهدة الجيش السوري، لكن لا يريد بوتين خسارة أردوغان بهذه الطريقة وهو الذي قدم له سلماً للنزول من الشجرة.

هذا لا يعني طبعاً أن روسيا موافقة بالكامل على الهدنة الدائمة التي تتمناها تركيا، ولا حتى تريد لها أن تقيم بشكل دائم في شمال سورية، لكنّ ثمة فهماً روسياً إلى أي حد يمكن فيه الضغط على تركيا بحيث تبقيان على علاقة جيدة تضمن تبادل المنافع والمصالح المشتركة.نتائج الاجتماعات خلصت إلى تثبيت وقف إطلاق النار، وكذلك تسيير دوريات مشتركة لتأمين الطريق الاستراتيجي "إم 4" الذي يربط شمال شرقي سورية من الحسكة إلى حلب وإدلب واللاذقية، وأن تسحب تركيا أسلحتها الثقيلة من نقاط المراقبة التي أنشأتها شمال إدلب.

في ضوء ذلك طرح الرئيس التركي على نظيره بوتين تبادل إدارة حقول النفط التي يسيطر عليها الأكراد في محافظة دير الزور، ويقصد بذلك الانتفاع من هذه الموارد لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في سورية، وهو نفس المقترح الذي من المحتمل أن ينقله إلى الرئيس الأميركي ترامب.هذا الطلب يأتي من باب أن تركيا تريد أن تتأكد من أن لها حصة جيدة في "الكعكة" السورية، سواء ببقائها هناك أو بالدخول في ورشة إعمار البلاد عبر الاستثمار والحصول على الأموال السورية.

وكما تلحظ أنقرة أن الدول الموجودة في سورية مثل روسيا والولايات المتحدة الأميركية وإيران لها مصالح هناك، فهي أيضاً تريد الاطمئنان للحصول على ثمن معقول.النتيجة النهائية أن روسيا لها مصلحة في بقاء العلاقات جيدة مع تركيا وكذلك الأخيرة، حتى لو كان ذلك على حساب الحكومة والشعب السوري، لكن في نفس الوقت تختلف حصص البلدين بحجم النفوذ الذي يمارسانه على الأرض، ومن هنا دب الخلاف بينهما.من المحتمل أن يحصل خرق للهدنة بحكم العادة وتجارب الهدن السابقة في سورية، وفي نهاية المطاف لن تغادر تركيا موقعها في إدلب والشمال السوري إذا لم تكن قد حصلت على ثمن باهظ لهذه المغادرة.

الآن هناك خطط من قبيل إسناد الظهير السوري وإقوائه لحماية المصالح التركية، وكذلك تبييض صفحة المهاجرين السوريين من تركيا.في كل الأحوال أدركت أنقرة أن خرق الهدنة الحالية قد يؤدي إلى معركة شرسة وتحملها خسائر باهظة في إدلب، وبالتالي من المتوقع أن ينشط مسار المفاوضات مع روسيا بهدف الجلوس على الطاولة والبحث في ممكنات حل هذا الملف سياسياً دون تحمل كلف وخسائر عسكرية.فقط كل ما يجري حالياً هو أن تركيا لا تريد ترك إدلب مجاناً لروسيا والجيش السوري، وكل الضغط الحاصل يهدف إلى مقايضة خروجها ربما بعدم المساس بالمعارضة المعتدلة التي تدعمها، أو الاطمئنان تماماً إلى أنه لن يكون هناك أي دور أو كيان مستقل للأكراد أكثر من تفرقهم في الأراضي السورية.

هذه هي الدول التي تقيس حجم نشاطها بمصالحها، وتمتلك من القوة التي تمكنها من المراوغة والمساومة، بينما العرب نائمون ولا يمتلكون عناصر القوة التي تلجم الأطماع التركية في سورية، ويكتفون فقط بالتنديد بهذا الغزو، وفي آخر الليل تجدهم يحجون لمشاهدة المسلسلات التركية والتغزل بها. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هدنة المصلحة في إدلب هدنة المصلحة في إدلب



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca