ثم أغمضت عينيها واستيقظت

الدار البيضاء اليوم  -

ثم أغمضت عينيها واستيقظت

زياد خدّاش
بقلم : زياد خدّاش

على حافة حوض نوافير الطيرة أجلس، كل مساء، جلسةً صغيرةً، ربما هي استراحة حالم في طريقه إلى يافا، منذ سبعة وأربعين عاماً وأنا أذهب إلى يافا. آه، كم أريد أن أصل إليها!في الحياة والكتابة والعلاقات العاطفية والشطح الوجودي دائماً أصيح: «إياكم والوصول؛ لأن الوصول هنا مذبحة للدهشة ونهاية للشغف».في السفر اليومي إلى يافا، أريد فعلاً هذه المرة أن أصل؛ لأن الوصول إليها بداية للدهشة وعرس للشغف، يافا ليست قصيدةً أو امرأةً، إنها مدينتي وحقي وكرامتي.

ما الذي يفعله كهل في أول الليل، قرب حوض نوافير؟ أتساءل أنا والناس وهم يرونني من داخل سياراتهم وهي «تلف» حول دوار النوافير، حين ينظرون إلى حيث أنظر بتحديق يشبه الفكاهة، يهمسون: آه يافا، فأشكرهم في سري لأنهم عرفوا، بالحدس أو ببعض تحليل. كنت أنتظر بنتاً ومدينة، البنت اليافاوية اللاجئة، قالت لي: خذني إلى يافا. ولاحظت أنها أغمضت عينيها واستيقظت، ولأنني عاجز بخجل عن الوصول إلى يافا، فقد أقنعت نفسي بأن يافا ستتحرك من مكانها وتتقدم تجاهي، أليس على المدن المسروقة من شعبها أن تتصرف في انتكابات كهذه؟.

ستأتي يافا بعد قليل، تجلس معي قليلاً ثم تعود إلى بيتها البحر، سأعزمها على العشاء في «شقيرة» القريب، وسنمشي قليلاً في شوارع رام الله، ونزور ذكريات الناس عنها، قد نثمل في «زرياب»، ونبكي في «الجلزون»، ونحتار ونغضب أمام «بيت إيل»، ونجن أمام المقاطعة، لن تفهم يافا كلمة «مقاطعة» سأحاول أن أفَهِّمَها بكل حمولاتي من لغة ومكر وتاريخ، لكنها لن تفهم، ستقول لي زياد: «لو سمحت احكي فلسطيني»، ستبقى عاجزة عن الفهم، وستخفي وجهها بيديها، تبكي أو تضحك، أو تخجل. يافا في متناول وجعي، جالساً فيها وأمامها، وبانتظارها، ومطلاً على ذكرياتي التي لم تحدث هناك بعد، ما زلت أجلس بالقرب من النوافير، حدّقت في ذروة إحدى النوافير الصاخبة طويلاً، لاحظت أن شكل وقوة القمة يختلف في كل اندفاعة، لم يكن اكتشافاً علمياً، لكنني أدركت لحظتها أن هذه النوافير التي خلفي ليست نوافير، إنها اندفاعات روحي وتموجاتها وهي تواصل سفرها المستحيل إلى قلبها: يافا. ولم يكن ثمة بنت، كانت يافا نفسها، تلعب معي لعبة التحولات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثم أغمضت عينيها واستيقظت ثم أغمضت عينيها واستيقظت



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca