ليبيا ومستنقع المراحل الانتقالية

الدار البيضاء اليوم  -

ليبيا ومستنقع المراحل الانتقالية

د. جبريل العبيدي
بقلم : د. جبريل العبيدي

ليبيا ضحية مسلسل المراحل الانتقالية، وديمومة الصراع السياسي، إذ هي مقبلة على مرحلة انتقالية جديدة هي الخامسة بعد تمديد الوضع الانتقالي الصعب في ليبيا، في ظل غياب مؤسسات الدولة، وغياب سيطرة السلطة الانتقالية على كامل التراب الليبي، فمنذ تشكل المكتب التنفيذي (حكومة المجلس الانتقالي في فبراير/ شباط 2011) إلى الحكومة الليبية الانتقالية ومروراً بحكومة زيدان وحكومة الثني ثم الانقسام أو الانشطار بعد حرب فجر ليبيا التي خاضتها ميليشيات الإسلام السياسي الانقلابية بسبب خسارتها في الانتخابات، وشكلت حكومة تحت مسمى «الإنقاذ الوطني»، واستمرت حكومة انقلاب على الشرعية في ظل حكومة انتقالية شرعية مهجرة من العاصمة هي حكومة عبد الله الثني في الشرق، ثم تشكلت حكومة بعد اتفاق الصخيرات تحت اسم «الوفاق الوطني» غير دستورية في غياب الوفاق الوطني، إلى أن جاءت حكومة «الوحدة الوطنية» في غياب الوحدة وتوحيد المؤسسات المنقسمة والمنشطرة بين شرق وغرب البلاد، بل أصبحت حكومة مغالبة وجزءاً من الأزمة بدلاً من الحل، وأخفقت في المهام المنوطة بها (المصالحة الوطنية والإعداد وإقامة الانتخابات)، لتغرق البلاد في مستنقع الفساد بعد أن سجن النائب العام أكثر من ربع وزرائها ومسؤوليها بتهم الفساد وإهدار المال العام.
المرحلة الانتقالية في عمومها الهدف منها ضمان تحقيق تحول ديمقراطي آمن بدون انتكاسة وعودة الديكتاتورية مجدداً.. ديكتاتورية الفرد أو الجماعة، ولهذا تعتبر المراحل الانتقالية مهددة بمخاطر كثيرة منها المراحل الانتقالية ذات الفترات الطويلة، كما في الحالة الليبية، التي تجاوزت في بعض مراحلها عشر سنوات بلا أي أمل في الأفق المنظور للخروج منها، كما أن خطر التدخل الخارجي والاستقواء به، من قبل بعض الأطراف، يبقى خطراً آخر، تسبب في الدخول في صراع مع المؤسسات الأمنية كالجيش والشرطة وتهميش دورهما الأمني، كما فعلت قوى الإسلام السياسي أو جعلهما طرفين في الصراع السياسي، ضمن الاصطفاف الآيديولوجي، كما أن تأخير المواعيد المتفق عليها وتمديدها وتأجيلها وعدم وجود ترتيبات للحكم الانتقالي تعتبر عقبات أخرى أمام المراحل الانتقالية.
المراحل الانتقالية عادة تتضمن مساراً سياسياً يشمل تشكيل حكومة مؤقتة مهمتها محددة في تحقيق مصالحة وطنية والإعداد لانتخابات نزيهة، ومساراً أمنياً يشمل تنفيذ وقف إطلاق النار، وإرساء آليات لنزع سلاح الميليشيات، ومساراً دستورياً ينص على كتابة دستور توافقي يضمن حقوق المواطنة كاملة للجميع، ومساراً اقتصادياً.
ليبيا خلال العشرية السوداء الماضية مرت بخمس مراحل انتقالية من دون أن تحقق استحقاقاً يمهد لدولة خالية من المراحل الانتقالية، فلا دستور أنجز ولا انتخابات أنجزت، بل تآمر الجميع على الاستقرار لصالح بقاء أجسام انتقالية رفض أصحابها مغادرة السلطة، لتصبح ليبيا رهينة بين سلطة الأمر الواقع تارة وسلطة انتقالية تارة أخرى، حتى أصبحت ليبيا فريسة في شباك مصيدة المراحل الانتقالية.
في ظل الأمية الديمقراطية نتيجة عقود من الحكم الديكتاتوري تم اختصار الديمقراطية في التصويت في الانتخابات، مع أن التجربة الديمقراطية، ثقافة وسلوك وما الانتخابات والصندوق إلا إحدى آليات الديمقراطية ولكنهما ليسا كل الديمقراطية، التي أساسها التداول السلمي للسلطة والقبول بالهزيمة بالروح نفسها التي يقبل بها الفوز، الأمر المفقود في ليبيا.
ولهذا يعتبر إلغاء الانتخابات التي تعد الأمل الأخير لحلحلة الأزمة الليبية، والخروج من مستنقع المراحل الانتقالية واستبدال ما سمي بخريطة الطريق بها، وهي التي أعلن عنها مجلس النواب بالتآمر مع مجلس الدولة... مشروعاً لإطالة عمر الأجسام المنتهية واستمرارها في الحكم رغم إرادة الناخبين الذين مزقت بطاقتهم قبل أن يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم بعد أن تم التآمر على الانتخابات واستبدال مرحلة انتقالية جديدة بها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا ومستنقع المراحل الانتقالية ليبيا ومستنقع المراحل الانتقالية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:52 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على أهرامات متنوّعة قبالة سواحل جزر البهاما

GMT 05:32 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

"جواغوار" تطرح سيارتها طراز E-1965 للبيع 5 حُزيران

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 15:14 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

صعقة كهربائية تودي بحياة عامل بناء ضواحي مراكش

GMT 05:18 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يحددون مكان بداية مرض الزهايمر المدمر في المخ

GMT 05:42 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

سراييفو تعتبر واحدة من أكثر المدن إثارة في أوروبا

GMT 04:34 2018 السبت ,10 شباط / فبراير

عَرْض سيارة إلتون جون موديل 1997 الوحيدة للبيع

GMT 07:41 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تجميع أكبر خريطة قديمة بعد أكثر من 400 عام

GMT 04:41 2014 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

مها أمين تطرح مجموعة جذابة من تصميمات "الكروشيه"

GMT 17:30 2016 الخميس ,29 أيلول / سبتمبر

الهولندي أرين روبن يسعى للبقاء مع "بايرن ميونيخ"

GMT 03:09 2014 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

بريطانية تنجب 4 توائم دون تدخل طبي وبعد انتظار 4 سنوات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca