لماذا ينبغي ألا يلتقي حزبا الكتائب والشيوعيّ؟

الدار البيضاء اليوم  -

لماذا ينبغي ألا يلتقي حزبا الكتائب والشيوعيّ

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية
قبل أسبوعين التقى وفدان من حزبي الكتائب اللبنانيّة والشيوعي اللبناني و«تحاورا». اللقاء، كما بدا لاحقاً، لم يكن الأوّل من نوعه، لكنّه كان الأوّل في أهميّته. سبب ذلك سببان: الإعلان عنه وانعقاده في مناخ الثورة. اللقاء أُتبع بآخر ضمّ كتائبيين ووفداً من «منظّمة العمل الشيوعيّ». الحدث هذا ألهب وسائل التواصل الاجتماعيّ، وجاء مصحوباً بأحكام كثيرة عليه، إيجاباً وسلباً. لكنْ كان من الملحوظ ظهور صوت متشدّد في البيئة التي يُفترض أن ينضوي فيها الشيوعيّون، ويتزعّمها «حزب الله»، ومن ورائه النظامان السوري والإيرانيّ. أصحاب هذا الصوت أدانوا اللقاء وأدانوا الشيوعيين وتبرّأوا من «فعلتهم». والحال أنّ عناصر عدّة تفسّر هذا اللقاء وتبرّره. فالحزبان كانت لهما مواقف متقاربة في الثورة، وهما أصلاً متقاربان في معارضة النظام. حزب الكتائب، في ظلّ سامي الجميّل، اختلف عمّا كان قبلُ، إنّه يبدو حريصاً على الظهور بمظهر أكثر جدة ومواكبة لتغيّرات الزمن. مارس القطع الكامل مع الحكم (وإن لم يكن مع النظام) من خلال مقاطعة نوّابه الثلاثة جلسة منح الثقة للحكومة. والأهمّ أنّ الحزب حوّل مقرّه الرئيسي في الصيفي ببيروت إلى مركز من مراكز الثورة، يقدّم للثوّار الإسعافات والخدمات المُلحّة. الحزب الشيوعيّ، أو بعضه على الأقلّ، تغيّر أيضاً. فبعد طول تعرّضه لتجاهل حلفائه إبّان حقبة الوصاية السورية، وبعد اغتيال عدد من قادته ورموزه الفكريين على أيدٍ محسوبة على «حزب الله»، جاءت «ثورة 17 تشرين» لتضعه أمام تناقض يصعب القفز فوقه: هل ننحاز إلى المطالب الاجتماعيّة لأكثريّة اللبنانيين الساحقة، وهو ما يُفترض أنّه علّة وجود الحزب الشيوعيّ، أم ننحاز إلى السلطة وفي عدادها «حزب الله»؟ في جنوب لبنان، في النبطيّة وكفر رمّان وصور، سبق شيوعيّون وشيوعيّون سابقون حزبهم في حلّ هذا التناقض، بانحيازهم إلى الثورة، فبادر «حزب الله» وحليفته «حركة أمل» إلى قمعهم مرّة واثنتين وثلاثاً. يمكن لمن يعود إلى محطّات تاريخيّة سابقة أن يضيف خلفيّات أخرى: الحزبان ولدا في الرقعة الجغرافيّة نفسها تقريباً، كما يشهد تاريخهما على تقاطعات قليلة تقابل لحظات الصدام الكثيرة. بعض أهمّ تلك التقاطعات معركة الاستقلال في 1943، ودعم العهد الشهابي في الستينات ولو من موقعين مختلفين. إذن لماذا ينبغي ألا يلتقي ويتحاور حزبا الكتائب والشيوعيّ؟ الحجّة الأبرز، إن لم تكن الوحيدة، التي يتمسّك بها نقّاد اللقاء، تبدأ بحرب 1975 أو «حرب السنتين». ذاك أنّ حزب الكتائب كان يواجه المقاومة الفلسطينيّة التي يلتفّ حولها الحزب الشيوعيّ. هذا الصراع مع المسلّحين الفلسطينيين، ثمّ مع الوصاية السورية، أنشأ علاقات كتائبيّة - إسرائيليّة بلغت ذروتها عام 1982 مع وصول بشير الجميّل إلى رئاسة الجمهوريّة، في ظلّ الاجتياح الإسرائيليّ. لكنْ إذا كان لبنانيّون كثيرون يروْن في الأمر خروجاً على إجماع لبناني مفترض، أفلا يوجد عدد مماثل من اللبنانيين يأخذ المأخذ نفسه على وقوف الحزب الشيوعي مع المقاومة الفلسطينيّة في صراع مسلّح مع الدولة اللبنانيّة؟ فلنتّفق على أنّ المسألة إذن هي مسألة بناء إجماعات وطنيّة لبنانيّة جديدة، أو أنّ هذا ما يؤمل في بلد عاش طويلاً وهو يتنازع على معنى الوطن والوطنيّة، وعلى معانٍ كثيرة أخرى. إذا صحّ الافتراض هذا صحّ القول بأنّ «ثورة 17 تشرين» محاولة تأسيس لوطنيّة جديدة تقطع مع ميراث الحرب الأهليّة وانقساماتها. بهذا المعنى، لا بدّ من الترحيب بخطوة الكتائب والشيوعي وبكلّ خطوة مشابهة قد تخطوها أحزاب أخرى تخاصمت في نزاعات الماضي. هنا تحديداً تكمن مشكلة الذين ندّدوا بخطوة الحزبين: إنّهم لا يريدون وطنيّة لبنانيّة، حيث إنهم منحازون لفكرة البلد كساحة ملحقة بالمسائل الإقليميّة. ذاكرتهم عالقة في 1975 وعالمهم عالم الحرب الأهليّة. إنّ موقفاً كهذا لا يمكن أن يكون إلاّ طائفيّاً: ذاك أنّ ما يقال عن الكتائب، انطلاقاً من ذاك التصوّر الإقليميّ، يمكن أن يقال عن «القوّات اللبنانيّة» أيضاً، وهو نفسه ما كان يقال عن العونيين قبل أن ينضووا في الخندق الأسديّ. بلغة أخرى: إنّ النظريّة التي تعطي الأولويّة للصراع الإقليمي تعني حكماً عزل المسيحيين، لا عزل الكتائب وحدهم، كما قيل في 1975. وأقلّ ما يقال في هذا الموقف الطائفي إنّه لم يعد يجد غير الكلام القديم والوعي القديم غطاءً له. مَن لا يصدّق هذا عليه أن يراجع الهموم والشعارات التي طغت على الثورة اللبنانيّة، كما طغت على سائر الثورات العربيّة في تغليبها الوطني على الإقليميّ، والوطن على الساحة. لكنْ، وللسبب هذا، فإنّ من حرّضوا ضدّ لقاء الحزبين لا يكنّون للثورة إلاّ العداء. فهي حدث وطني جديد، وهم طائفيّون وقدامى. إنّ تأييدها يحمل على تشجيع أي تقارب بين قواها والقوى المتعاطفة معها، فيما الذين يرفضون الثورة، يرفضون التلاقي بين تلك القوى، ويقترحون على الشيوعي أن يمضي في التحاقه بـ«حزب الله». أليس هذا الأخير مُبرَّأً من الطائفيّة التي يحتكرها حزب الكتائب وحده؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا ينبغي ألا يلتقي حزبا الكتائب والشيوعيّ لماذا ينبغي ألا يلتقي حزبا الكتائب والشيوعيّ



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:19 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 12:52 2013 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

هل الدكتور دكتور والمهندس بالفعل مهندس؟

GMT 00:29 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مشاحنات في جنازة سعيد بونعيلات بين عائلته ورفاقه

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 05:23 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات فساتين للمحجبات من أسبوع الموضة في نيويورك

GMT 22:09 2015 الثلاثاء ,17 شباط / فبراير

افتتاح فرع جديد من "المطعم البلدي" في مراكش

GMT 02:51 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

شاب هندي يعاني من مرض الشيخوخة المبكرة

GMT 23:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل "اجتماع الأزمة" بين أبرشان ولاعبي اتحاد طنجة

GMT 20:35 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تطورات جديدة في قضية لطيفة رأفت ضد رئيس الوزراء المغربي

GMT 09:16 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بلاك شاينا أنيقة خلال توزيع جوائز "BET Hip Hop"

GMT 08:03 2018 الإثنين ,14 أيار / مايو

طرق وخطوات تطبيق "الأيلاينر الأومبري"

GMT 17:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تدريبات خاصة ليوسف القديوي لاستعادة لياقته البدنية

GMT 22:47 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

حلم كأس العالم يعود يا إماراتيون

GMT 17:10 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فجر السعيد تضع حدا للخلاف مع الفنانة الإماراتية أحلام

GMT 03:22 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام البورقادي وصيفة لبطلة العالم في الكيك بوكسينغ

GMT 00:45 2017 الأحد ,24 أيلول / سبتمبر

ياسر المصري يوضح أن شخصية الزعيم ثرية جدا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca