رسالة باريس ليست "فرنـسيّة" بل بكل لغات العالم!

الدار البيضاء اليوم  -

رسالة باريس ليست فرنـسيّة بل بكل لغات العالم

بقلم : جورج شاهين

قبل أن تنجلي نتائج زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى باريس، شهدت الأروقة السياسية تشكيكاً في ما حققته، وتزامناً مع ملاحظات «القوات اللبنانية» تحدّث زوار بعبدا عن تقصير حكومي عبر تصنيف الوزراء بين مقصّر ومنتقد لا يقدّم البديل. وهو ما عزّز الشكوك في وجود مطبّات داخلية تعوق استثمارَ المليارات الدولية. فهل من مبرّر؟ وما الذي يقود الى هذه المعادلة السلبية؟
لم يعد هناك سرّ يتصل بما هو مطلوب من لبنان لمجاراة الدعم الدولي المنتظر سواء من «سيدر» أو من الدول والحكومات والمؤسسات المانحة. فقد قدّم لبنان ما لديه من أبواب ومجالات للاستثمار عدا الإكتتابات المصرفية في سوق السندات المحلية او الدولية او سندات اليوروبوند التي يحتاج اليها قريباً لمواجهة استحقاقات مالية داهمة قبل منتصف الشهر المقبل.

وفي مقابل هذا الإجماع، تبدو الساحة الداخلية مليئة بالفخاخ. فالحديث عن الإصلاح والتغيير يبدو متعثّراً وبعيدَ المنال في الكثير من الوزارات والمؤسسات التي اقترح البعض دمجَها او إلغاءَها، كما بالنسبة الى التوظيف العشوائي - المنظَّم سياسياً الذي خرق القرار الوزاري المتخذ في 17 آب عام 2017 بمنع التوظيف في الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات المستقلّة. فلم يظهر أنّ في قدرة أيٍّ من الأقوياء المَسّ بأيٍّ من المقترحات الإصلاحية المتداوَلة حول بعض «المحميات» السياسية والطائفية والمناطقية والحزبية التي أقفلت أبوابها على كل أشكال الإصلاحات المطروحة.

على وقع هذه المعادلات التي لم تعد مقاربتُها سرّاً بعد أن «زلّت» ألسنٌ في الحديث عن بعضها، سواءٌ كانت بفعل الحاجة الى معالجةِ ما فيها من عورات أو من اجل تعطيل ما هو مطروح في أخرى على قاعدة 6 و6 مكرَّر التي تحكم العلاقات بين مَن يسمّون أنفسَهم الأقوياء. فالحديث عمّا يجري من مخالفات في المطار والمرفأ وقطاع الإتصالات طُوي، كما بالنسبة الى الحديث عن مجلس الجنوب وصندوق المهجرين وغيرهما.

وكل ذلك يجري رداً على ما هو مطروح من جانب آخر حول الأوضاع في كازينو لبنان و»الميدل ايست» ومصرف لبنان و»أوجيرو» وبعض المؤسسات والهيئات المستقلّة. فإذا لم يجرِ التفاهم على القيام بـ «نفضة» كبرى فيها يتنازل أصحاب السطوة عليها عن مكتسباتهم بشكل متوازن سيتلاشى الحديث عنها ليعود الجميع للبحث عن مزيد من الرسوم والضرائب «الفايشة» التي لا تكبّد المسؤولين عناءَ البحث عنها وتجميعها لضخّها في سلّة الخزينة «المبخوشة».

عند هذه الحقائق يتوقف المراقبون الحياديون لمقاربة «النقزة» الدولية عند البحث في المزيد من القروض والهبات المالية المقترَحة. فلم يعد هناك سرّ مخفي على مصادر القرار فيها وقد تجاوزت معلوماتهم التفصيلية ما لدى بعض الجهات اللبنانية التي ترغب في المحاسبة لفقدان الشفافية في التعامل معهم بسبب تجاهل قانون الحق في الوصول الى المعلومات.

على هذه الخلفيات يعبّر أعضاء من الوفد اللبناني الذي رافق رئيس الحكومة في زيارته الأخيرة لباريس بعد المملكة العربية السعودية عن جملة مخاوف تعوق الوصول الى ما يحتاج اليه لبنان من انفراجات مالية واقتصادية ونقدية في وقت قريب. فقبل أن يعود الحريري من باريس وقبل بتّ مشروع قانون موازنة عام 2020 سمع الجميع ملاحظات رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وانتقاداته لآلية العمل رغم تقديره للجهود التي يبذلها الحريري، في ما كانت أوساط بعبدا توجّه الإتهامات الى الحكومة بالتقصير في مقاربتها للقرارات الإقتصادية والمالية التي اتُخذت في لقاء بعبدا وليس لدى مَن ينتقدها أيُّ بدائل منها. وكل ذلك يجري في وقت يبدو فيه انّ مجلس النواب عاجز عن القيام بمهماته التشريعية ما لم تُحِل اليه الحكومة الموازنة الجديدة ليقول كلمته فيها او اقتراحات القوانين التي تمّ التفاهم على وضعها وبتّها في أسرع وقت ممكن.

ويعترف الخبراء الذين واكبوا لقاءات باريس أنّ الرسالة الفرنسية كانت واضحة وشاملة وموحَّدة. وهي ليست باللغة الفرنسية فحسب، إنما بكل لغات العالم. بعدما عبّرت باريس عن النّية الصالحة عبر بتّ قرض الـ 400 مليون يورو الذي تقرّر في مؤتمر «روما 2» العام الماضي من اجل تجهيز البحرية بالزوارق والمعدات استعداداً لمرحلة ملء الفراغ بعد القوة البحرية في «اليونيفيل»، ومواكبة أعمال البحث عن النفط والغاز دليل على وجود مَن يريد أن يدعم الخطوات اللبنانية إن أثبتت الحكومة ومعها اركان العهد بأنّ النية صادقة بالقيام بما هو مطلوب. فأمام اللبنانيين مهلة قصيرة لإثبات الجدارة في المواجهة وهي لا تفيض عن ستة أشهر تقاس بموعد التقرير المقبل للتصنيف الدولي للبنان. فإن نجح لبنان في تقديم المؤشرات الكافية نكون قد نجونا من مهلكة جديدة، وإلّا سيكون امامنا استحقاق ليس من السهل تجاوزه في المديَين القريب والمتوسط.

وعليه، كشفت مصادر الوفد اللبناني أنّ الحريري مصرٌّ على المضي في مبادراته الخارجية وهو الى جانب التفاهم مع الجانب الفرنسي على عقد اجتماع لجنة المتابعة الاستراتيجية لمؤتمر «سيدر» في 15 تشرين الثاني المقبل في باريس، فهو قصد مثل هذا الموعد ليكون تتمّةً لما يمكن أن تؤدّي اليه أعمال اللجنة الوزارية العليا المشتركة بين لبنان والسعودية المقرَّرة في منتصف تشرين الأول ليتكامل الجهد الخليجي مع الدولي رغم حجم المطبّات الداخلية المتوقعة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة باريس ليست فرنـسيّة بل بكل لغات العالم رسالة باريس ليست فرنـسيّة بل بكل لغات العالم



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca