بين إدارة بايدن وإدارة بوش الابن

الدار البيضاء اليوم  -

بين إدارة بايدن وإدارة بوش الابن

بقلم:خيرالله خيرالله

واضح أنّ إدارة جو بايدن مستعدة للذهاب بعيدا في تقديم التنازلات الى ايران من اجل التوصل الى اتفاق جديد معها من دون اخذ في الاعتبار للانعكاسات الإقليمية التي ستترتب على مثل هذه الخطوة. يبدو هذا التوجّه مخيفا الى حدّ كبير نظرا الى انّه يصبّ في ضرب الاستقرار الإقليمي من جذوره. يضاف الى ذلك تغيير طبيعة العلاقات التاريخية القائمة بين اميركا وحلفائها التقليديين، خصوصا اعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة.

لا يمكن لايّ عاقل الاعتراض على اتفاق في شأن البرنامج النووي الإيراني يحول دون تمكن طهران من امتلاك السلاح النووي. في المقابل، لا يمكن لمن يمتلك حدّا ادنى من المنطق تجاهل انّ لبّ المشكلة مع ايران يكمن في مشروعها التوسّعي الذي تبقى ميليشياتها المذهبيّة المنتشرة في المنطقة وصواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة افضل تعبير عنه.

لذلك، لا قيمة لأي اتفاق في شأن البرنامج النووي يتجاهل السلوك الذي تنتهجه "الجمهوريّة الاسلاميّة" في المنطقة، خصوصا طريقتها في التعاطي مع الدول العربيّة المختلفة. من بين هذه الدول، يأتي لبنان الذي دمّر عن بكرة ابيه بفضل ميليشيا مذهبية تابعة لإيران اسمها "حزب الله". باتت هذه الميليشيا الطرف الذي يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة في لبنان تجسيدا للاحتلال الإيراني لبلد فقد كلّ مقومات وجوده.

تبدو إدارة بايدن، وقد يكون ذلك لاسباب ذات طابع أيديولوجي، مستعدة لتنفيذ انقلاب لا يقلّ خطورة عن ذلك الذي نفّذته إدارة جورج بوش الابن عندما قرّرت اجتياح العراق في مثل هذه الايّام من العام 2003 رافضة كلّ النصائح التي وجهت اليها في حينه. كانت هذه النصائح تقوم على فكرة انّ مثل هذا الاجتياح سيقود الى تغيير جذري للتوازن الإقليمي، خصوصا انّ الإدارة الأميركية لم تكن تمتلك في تلك المرحلة ايّ فكرة عن العراق نفسه وعن النظام الذي سيقوم بعد سقوط نظام صدّام حسين. كان نظام صدّام في حاجة الى تغيير ولكن بطريقة مختلفة وفي ظروف اكثر طبيعية من تلك التي جعلت ايران اكثر المتحمسين للحرب الاميركيّة على العراق.

تحوّلت ايران الى المنتصر الوحيد في الحرب الاميركيّة على العراق الذي بات المواطن فيه يترحّم على صدّام حسين ونظامه. عادت الميليشيات المذهبيّة العراقيّة التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني الى بغداد على دبّابة اميركيّة... لترفع شعار مقاومة الاحتلال الأميركي!     

ليس مستبعدا ان يكون الاتفاق الجديد، الذي تعمل إدارة بايدن من اجله، بمثابة إعادة تعويم للاتفاق النووي الذي وقعته "الجمهوريّة الاسلاميّة" مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا صيف العام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما. وُجد وقتذاك من يُقنع أوباما، الذي لا يعرف شيئا عن الشرق الأوسط والخليج وايران نفسها، بضرورة الرهان على "الجمهوريّة الاسلاميّة". كان أوباما، بتأثير من مستشاريه المعجبين بايران مقتنعا بان الإرهاب السنّي الذي تمثله "داعش" شيء فيما ممارسات "الحرس الثوري" الإيراني والميليشيات التابعة له في كلّ انحاء المنطقة شيء آخر. لم يدرك يوما ان الدول العربيّة، في مقدّمها دول الخليج كانت رأس الحربة في التصدي لـ"داعش" الذي حظي بدعم فعلي من النظام السوري التابع لإيران ومن ايران نفسها. هل تستطيع إدارة بايدن تجاهل انّ حكومة نوري المالكي، المدعومة من "الجمهوريّة الاسلاميّة"، لعبت في العراق الدور المحوري في مجال تمكين "داعش" من السيطرة على مدينة الموصل في العام 2014... فيما جلس باراك أوباما يتفرّج وفيما ادارته في مفاوضات سرّية مع ايران؟

سيتبيّن قريبا هل تعلّمت إدارة جو بايدن شيئا من تجارب الماضي القريب... أم ستتفوق في السذاجة على إدارة جيمي كارتر التي وضعت حجر الأساس لتساهل أميركي مع ايران عندما امتنعت عن الردّ على احتجاز 52 ديبلوماسيا اميركيا كان يعملون في السفارة في طهران طوال 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979؟

منذ احتجاز الديبلوماسيين الاميركيين، شعر النظام الجديد في ايران بانّ في استطاعته تحدّي اميركا وصولا الى جعلها تخوض حربا بالنيابة عنه في العراق. ما لا تدركه إدارة بايدن ان سقوط العراق في يد ايران قلب موازين القوى في المنطقة كلّها. كانت تلك الحرب، بغض النظر عن الموقف من نظام صدّام حسين وغبائه السياسي الذي منعه من فهم التوازنات الاقليميّة والدوليّة يوما، زلزالا لا يزال يتفاعل الى اليوم.

سيكون رفع العقوبات عن ايران في السنة 2022 من منطلق الحاجة الى النفط والغاز الإيرانيين زلزالا آخر. يكفي للتأكّد من ذلك ما تفعله ايران انطلاقا من اليمن. ليست الاعتداءات على السعوديّة وعلى دولة الامارات، انطلاقا من الأراضي اليمنيّة سوى نموذج عن سلوك "الحرس الثوري" في هذه الدولة العربيّة او تلك. المشكلة ليست في الحوثيين. المشكلة في انّ الحوثيين الذين يسمّون نفسهم "جماعة حزب الله" ليسوا سوى أداة ايرانيّة لا اكثر.

يبدو الجانب الآخر من المشكلة في إدارة جو بايدن نفسها التي ترفض الاعتراف بذلك وبأنّ ايران، و"الحرس الثوري" تحديدا، وراء ما تتعرض له منشآت سعودية من اعتداءات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

من حقّ ايّ دولة خليجيّة اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة في غياب الوعي الأميركي لخطورة افراج الإدارة الأميركية عن عشرات المليارات من الدولارات في حال قبول ايران فرض قيود على برنامجها النووي. ستستخدم هذه المليارات في دعم الميليشيات المذهبيّة الإيرانية التي تعمل في لبنان وسوريا والعراق. لن تنفع صواريخ "باتريوت" في شيء في غياب الرغبة الاميركيّة في ممارسة دور قيادي على صعيد العالم في وقت تبدو الصين الرابح الحقيقي من ذهاب فلاديمير بوتين إلى اجتياح أوكرانيا وقلبه للعالم رأسا على عقب.

في غياب الموقف الاميركي الحازم من المشروع التوسّعي الإيراني، وهو مشروع يهدّد كلّ حلفاء اميركا في المنطقة، لا تستطيع إدارة بايدن توجيه اللوم الى أي دولة عربيّة في ايّ مجال من المجالات بما في ذلك مجال ارتفاع أسعار النفط والغاز. الأكيد أنّ مثل هذا الارتفاع لا يعالج بالاستسلام الأميركي امام "الحرس الثوري" الإيراني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين إدارة بايدن وإدارة بوش الابن بين إدارة بايدن وإدارة بوش الابن



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca