"حماس" والعداء للفلسطيني المسيحي

الدار البيضاء اليوم  -

حماس والعداء للفلسطيني المسيحي

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

تأتي حركة "حماس" كلّ يوم بدليل جديد على انّها تعمل في خدمة إسرائيل. كان آخر ما أقدمت عليه "حماس"، التي هي جزء لا يتجزّأ من التنظيم العالمي لحركة الاخوان المسلمين، التعميم الصادر عن وزارة الأوقاف في غزة.

نصّ التعميم، الذي يكشف مدى عداءها للفلسطيني المسيحي، على إطلاق سلسلة فعاليات مختلفة تحت بند "الحد من التفاعل مع الكريسماس".

بكلام أوضح، مطلوب الا تكون في غزّة أي مظاهر تشير الى وجود عيد الميلاد لدى الطوائف المسيحية. الاهمّ من ذلك كلّه، مطلوب من الفلسطينيين المسلمين الذين يشكلون أكثرية ساحقة في القطاع تجاهل هذا العيد المسيحي الذي لديه تقاليد خاصة به من بينها إقامة شجرة الميلاد وتزيينها. لم يعد مهمّا ما فعلته "حماس" بعد ذلك. فبعد موجة الانتقادات العارمة التي واجه قرارها المعادي للفلسطينيين المسيحيين، المغلوب على امرهم، أصدرت وزارة الأوقاف الحمساوية بياناً توضيحياً أكدت فيه أنها "تتمسك بوحدة الفلسطينيين، معتبرة المسيحيين شركاء في النضال والقضية". ما حصل قد حصل. هناك رسالة ارادت "حماس" توجيهها لا اكثر. فحوى الرسالة التي نجحت في توجيهها ان على الفلسطيني المسلم ان يكون متزمتا والّا يشارك الفلسطيني المسيحي، وهو مواطن من الدرجة الثانية او الثالثة، اعياده.

ما لا تدركه "حماس" أنّ الفلسطينيين المسيحيين لا يحتاجون الى شهادة في الوطنية لا منها ولا من غيرها. كشف ما فعلته انّها تتصرّف على نسق ما كان يتصرّف النظام السوري في لبنان. كان النظام السوري يصنّف اللبنانيين بين وطني وخائن بهدف إرهاب المواطن العادي. سمعت شخصيا في أحيان كثيرة مسؤولين سوريين يتحدثون على طريقة "صحيح انّه مسيحي، لكنه وطني". كيف يحقّ لنظام اقلّوي سوري لا يزال يعتاش إلى الآن من الاحتلال الإسرائيلي للجولان، في العام 1967، إعطاء شهادات في الوطنيّة في لبنان وفي غير لبنان. كان يفعل ذلك لتغطية حقيقته التي لا علاقة لها بالوطنية من قريب او بعيد. كان يغطْي عمليا عداءه الاوّل، وهو عداء للسنّة اللبنانيين الذين عمل على شرذمتهم على غرار شرذمته لاهل السنّة في سوريا. ظهر ذلك من خلال ما فعله لدى تغطية اغتيال رفيق الحريري في العام 2005 وقبل ذلك المفتي حسن خالد وآخرين. الى جانب ذلك، اغتال النظام الاقلّوي السوري سياسيا شخصيات مثل صائب سلام وتقيّ الدين الصلح وغيرهما!

يكشف الموقف العدائي لـ"حماس" من عيد الميلاد (الكريسماس)، أي ميلاد المسيح، حقيقة مثل هذه الحركات المتطرّفة التي تدّعي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، على غرار ادعاء النظام السوري انّه في قلب "محور المقاومة والممانعة" الذي تقوده "الجمهورية الاسلاميّة" في ايران التي تربطها تاريخيا علاقات اكثر من وثيقة بحركة مثل "حماس". نذرت "حماس" نفسها لسدّ كلّ الأبواب امام السلام، علما ان اليمين الإسرائيلي تكفل سلفا بالباقي بعدما التقت معه في منتصف الطريق وساهمت في صعوده عبر عملياتها الانتحارية.

ما سعت اليه "حماس" منذ يوم ولادتها، وما زالت تسعى اليه الى يومنا هذا، يتمثّل في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني حيث لم يكن في مطروحا في يوم من الايّام من هو مسيحي ومن هو مسلم. الاولويّة لدى الحركة هي لتغيير وجه فلسطين ووجه الفلسطيني تحديدا. لذلك تطلق الصواريخ بين حين وآخر في اتجاه أراض إسرائيلية وذلك دعما للشعار الذي اطلقه ارييل شارون في يوم من الايّام عن "غياب الطرف الفلسطيني الذي يمكن التفاوض معه". ان نظرة الى تاريخ "حماس"، منذ لحظة اعلان ولادتها في ثمانينات القرن الماضي من اجل وضع العصي في طريق البرنامج الوطني الفلسطيني، تعطي فكرة عن الهدف الحقيقي للحركة. الهدف واضح كلّ الوضوح. على العالم النظر الى الفلسطيني من خلال ذلك المقنع الذي يحمل السلاح او المتأهّب لإطلاق صاروخ.

لعلّ الفرصة الاهمّ التي فوتتها "حماس" على الشعب الفلسطيني كانت في آب – أغسطس من العام 2005 عندما انسحبت إسرائيل من كلّ قطاع غزّة. بدل ان تساعد "حماس" في إقامة نواة لدولة فلسطينية مسالمة بعد انسحاب الاحتلال، سارعت الى اعتبار غزّة ارضا "محرّرة" يجب الانطلاق منها لتحرير كلّ فلسطين. الأكيد ان السلطة الوطنية لم تكن في تلك المرحلة في مستوى الحدث. لم تدر ما الذي عليها عمله بعد الانسحاب الإسرائيلي. هذا الامر سهّل على "حماس" مهمّتها الى حد كبير وصولا الى تنفيذ انقلابها منتصف العام 2007. لم يكن من هدف لهذا الانقلاب سوى الوصول الى الوضع الراهن. هناك امارة اسلاميّة في غزّة على طريقة طالبان. ليس العداء لـ"الكريسماس" سوى رمز من رموز هذه الامارة في ظلّ حصار اسرائيلي ورغبة لـ"حماس" في استمرار هذا الحصار.

كان في الإمكان تحويل غزّة الى منطقة مزدهرة. كان في الإمكان مواجهة الحجة غير المنطقية الإسرائيلية عن غياب المحاور الفلسطيني، لكنّ اصرّت على استكمال مشروعها القائم على تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني. اصرّت عمليا على تقديم كلّ الخدمات المطلوبة إسرائيليا في ظل قيادة فلسطينية تجاوزها الزمن وتجاوزتها الاحداث بعدما شاخت الى حد كبير. لم يعد في الإمكان حاليا سوى الاعتراف بالواقع المتمثّل في انّ "حماس" ظهرت أخيرا، من خلال عدائها للفلسطينيين المسيحيين، على حقيقتها. كلّ ما تريده هو بقاء امارتها الطالبانية في غزّة الى ما لا نهاية... على امل ان تعمّ التجربة الضفّة الغربية يوما.

ليس ما يمنع "حماس" من تحقيق طموحاتها التي تتجاوز غزّة في ظلّ العجز على مواجهتها من جهة والتواطؤ الإسرائيلي مع كلّ ما تقوم به من جهة أخرى. الأكيد انّ الشعب الفلسطيني لن يستسلم. سيظل هناك من يعمل على المحافظة على الهويّة الفلسطينية الجامعة. المؤسف ان المعركة مع "حماس" ستكون طويلة وتحتاج الى قيادة مختلفة. متى توجد مثل هذه القيادة؟ لا جواب في الوقت الحاضر. كلّ ما يمكن قوله ان اهل غزّة في سجن كبير من دون سقف وهذا ما يدركه معظم الفلسطينيين المقيمين في الضفّة الغربية الذين عليهم خوض معركة كبيرة على جبهات عدّة. في مقدّم هذه الجبهات ومن اهمّها، جبهة السلطة الوطنيّة التي تراهن على وهم إدارة جو بايدن وهي تعرف انّها لا تملك سوى لعب ورقة التنسيق الأمني مع إسرائيل. امّا الجبهة الثانية التي لا تقلّ اهميّة فهي جبهة منع "حماس" من نقل كلّ تخلّفها الى الضفّة فتهجّر ما بقي من مسيحيين فيها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماس والعداء للفلسطيني المسيحي حماس والعداء للفلسطيني المسيحي



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca