تفاؤل بالسودان وبعودته دولة طبيعية

الدار البيضاء اليوم  -

تفاؤل بالسودان وبعودته دولة طبيعية

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

قبل سنة، انتهى حكم عمر حسن البشير في السودان. حكم استمر 30 عاما استطاع السودانيون التخلّص منه مظهرين انّهم ما زالوا شعبا حيّا، كما انّهم يمتلكون القدرة على مقاومة الظلم والصمود في وجهه. ما فعله السودانيون كان اقرب الى معجزة من ايّ شيء آخر. المهمّ الآن هل في استطاعتهم استعادة بلدهم وإقامة نظام جديد يأخذ في الاعتبار الحاجة الى التعاطي مع المتغيّرات الإقليمية والدوليّة بعيدا تماما عن فكر الاخوان المسلمين.

في النهاية، فشل الاخوان فشلا ذريعا في تغيير طبيعة المجتمع السوداني كلّيا وذلك على الرغم من كلّ الجهود التي بذلوها طوال ثلاثين عاما، بما في ذلك إقامة مدارس خاصة بهم...

انتصر السودانيون، بفضل رفضهم التخلّف بكل اشكاله، خصوصا تخلّف الاخوان المسلمين الذين حوّلوا السودان الى مزرعة في خدمتهم وفي خدمة شخص لا يهمّه سوى البقاء في السلطة بايّ ثمن. لا تشبه شخصية البشير سوى شخصيّة بشّار الأسد. ليس صدفة ان يكون الرئيس السوداني المخلوع الشخصية العربية الوحيدة في هذا المستوى التي تقوم بزيارة لدمشق في مرحلة ما بعد شنّ النظام الاقلّوي حربه المكشوفة على الشعب السوري ابتداء من العام 2011. قبل ذلك، كانت هذه الحرب التي يشنّها النظام السوري تركّز على إذلال المواطن بكلّ الوسائل القمعية المتاحة.

عمليا، وصل "الربيع العربي" الى السودان متأخرا تسع سنوات، ولكن على العكس مما حدث في بلدان عربيّة أخرى، باستثناء مصر، فإنّ ما شهده السودان من تغيير يوحي بوجود امل في مستقبل افضل للبلد وأهله. هذا يعود قبل كلّ شيء الى ان السودان ابتعد الى حد كبير عن الغوغائية التي ميّزت شخص عمر حسن البشير. ستكون السنة 2021 سنة مهمّة بالنسبة الى السودان، لا لشيء سوى لانّه سيتبيّن هل يستطيع البلد المضي في اتجاه تطوير نفسه على كلّ صعيد... ام يغرق مجددا في ازماته الداخلية ذات التشعبات الكثيرة، بما في ذلك الانقسامات الدينية والعرقية والمناطقية؟

انتقل السودان في مرحلة ما بعد البشير الى بلد واعد يمتلك القدرة على التعاطي مع الواقع. لعلّ اكثر ما يدلّ على ذلك التوازن القائم بين العسكر والمدنيين والتقاء الجانبين عند نقطة الانفتاح على العالم بدل استمرار لعبة الابتزاز التي مارسها نظام البشير.

سمح الانفتاح بإزالة اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للارهاب. هذه لائحة أميركية يسهل دخولها، لكنّه يصعب الخروج منها. دفع السودان كل ما هو مطلوب منه ليعود دولة طبيعية لا تعيش على السمسرات وعلى الانتقال من موقف الى آخر بسهولة ليس بعدها سهولة، اكان ذلك مع ايران او مع تركيا... او مع هذه الدولة العربية او تلك.

ما كان يميّز نظام البشير هو تلك القدرة على تغيير مواقفه بسرعة البرق من جهة والتعاطي مع المناطق السودانية المختلفة بطريقة تؤكّد ان مصير الشعب السوداني ليس همّا يقلق الحاكم. كان البشير يستطيع التخلي عن الجنوب الذي اصبح دولة مستقلة من اجل السلطة. كان يمارس القمع الوحشي في دارفور، عن طريق ميليشاته، من اجل البقاء في السلطة ولا شيء آخر غير ذلك.

كان السودان يعيش طوال ثلاثة عقود في وضع غير طبيعي. لا وجود لمنطق آخر غير منطق الاحتفاظ بالسلطة. ليس معروفا الى الآن، ما الذي يفسّر استضافة أسامة بن لادن ثم طرده. كذلك الامر بالنسبة الى الإرهابي الفنزويلي "كارلوس" الذي كان يعمل لدى "الجبهة الشعبية - جناح وديع حدّاد". انتهى الامر بان سلّم البشير "كارلوس" الى السلطات الفرنسية التي تتهمه بقتل شرطيين فرنسيين في باريس. لماذا امّن له المأوى ولماذا سلّمه؟ هل هكذا تدار الدول؟

امام السودان فرصة لتعويض ما فاته في الماضي. كلّ ما عليه عمله هو الاستفادة من تجارب الماضي الممتد منذ الاستقلال. ما يدعو الى التفاؤل ذلك التفاهم، في حدود المعقول، بين المدنيين والعسكر، بين حكومة مصطفى حمدوك والمجلس العسكري برئاسة عبدالفتاح البرهان. العسكر يغطون المدنيين، والمدنيون يغطون العسكر. لم يحصل ذلك في تاريخ السودان الذي شهد انقلابات عدّة منذ الاستقلال في 1956، بدءا بانقلاب إبراهيم عبود وانتهاء بانقلاب البشير ورفاقه بغطاء من حسن الترابي في حزيران – يونيو 1989، مرورا بانقلاب جعفر نميري في 1969. أدّى انقلاب النميري المستوحى من التجربة الناصرية في مصر وغير مصر الى تغيير في العمق جعل السودان يدخل دهاليز الأنظمة الديكتاتورية التي لا تعرف شيئا عما يدور في العالم المتحضّر، على غرار ما حصل في ليبيا معمّر القذافي او في سوريا حافظ الأسد.

يستأهل السودان كلّ مساعدة بعد الذي حصل من تطورّات في سنة واحدة، أي منذ وضع البشير في السجن. صحيح ان اخطارا كثيرة ما زالت تحدق بالبلد، بما في ذلك التوتر الذي يظهر بين حين وآخر بين العسكريين والمدنيين، لكنّ الصحيح أيضا ان هناك اشارات تدعو الى التفاؤل. من بين هذه الإشارات ردّ الفعل الشعبي على كل الخطوات التي اتخذتها السلطة الجديدة من اجل الوصول الى رفع للسودان عن قائمة الإرهاب الأميركية. لم يعد السودان دولة مارقة. اكثر من ذلك، إنّه يتعامل بحكمة وتعقّل مع الملفات الإقليمية، بما في ذلك ملفّ سدّ النهضة وما يجري في إقليم تيغراي الاثيوبي.

من الواضح ان منطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي ذات اهمّية كبيرة، وهي موضع تنافس بين القوى العالمية. هذا ما يفسّر سعي روسيا الى ان يكون لها وجود عسكري في بورتسودان (الميناء السوداني الاهمّ). سيعتمد الكثير مستقبلا على مدى قدرة النظام السوداني الجديد، الذي لم يتخذ شكله النهائي بعد، على تأمين الاستقرار الداخلي. يفترض حصول ذلك من منطلق عودة السودان دولة طبيعية... دولة متصالحة مع نفسها اوّلا ذات مجتمع منفتح بعيدا عن فكر الاخوان المسلمين وعن وهم القدرة على ابتزاز العالم عن طريق إيواء إرهابيين ثمّ استخدامهم أوراق ضغط هنا او هناك او هنالك. هذه لعبة انتهى وقتها. يبدو ان الشعب السوداني فهم ذلك باكرا ووضع حدّا لنظام كان له علاقة بكلّ شيء باستثناء بما هو حضاري في هذا العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفاؤل بالسودان وبعودته دولة طبيعية تفاؤل بالسودان وبعودته دولة طبيعية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca