لبنان يغرق من دون موسيقى...

الدار البيضاء اليوم  -

لبنان يغرق من دون موسيقى

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

لا وجود لاي نور في نهاية النفق المظلم الذي دخل فيه لبنان بعدما تحوّل الى دولة فاشلة، بكل ما في كلمة فشل من معنى. الفشل اللبناني موجود على كلّ صعيد، خصوصا بعد انكشاف العجز عن تشكيل "حكومة مهمّة" برئاسة سعد الحريري تضمّ "اختصاصيين". هذا ما اوصت به صراحة المبادرة الفرنسية. كشف ما آلت اليه هذه المبادرة مدى جهل الرئيس ايمانويل ماكرون بلبنان وبالسياسيين اللبنانيين، خصوصا في ضوء التغييرات والتحوّلات الجذرية التي شهدها البلد، بعدما اصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية في الواحد والثلاثين من تشرين الاوّل – أكتوبر 2016.

تجسّد حال لبنان الفشل ولا شيء آخر غير الفشل لبلد كان مفترضا ان يكون عنوانا للنجاح. مثّل لبنان النجاح لفترة طويلة في منطقة عاشت في ظلّ الشعارات الطنانة التي لم تجلب سوى الخراب والانقلابات العسكرية التي قضت اوّل ما قضت على التعليم ومستواه وذلك بعدما اجتاح الريف المدينة وفرض عليها قيما لا علاقة لها بها.

هذا ما حدث في مصر بعد انقلاب 1952 الذي سمّي "ثورة يوليو"، وهذا ما حدث في العراق عندما اطاح العسكر النظام الملكي فنفّذوا انقلابا دمويا في 14 تموز – يوليو 1958. سبقت سوريا الجميع. كان اوّل انقلاب فيها في العام 1949 على يد حسني الزعيم. لكن الانقلاب الاهمّ في سوريا، والذي يمكن وصفه بالانقلاب المحوري، يظلّ ذلك الذي نفّذه حزب البعث في الثامن آذار – مارس من العام 1963 منهيا المحاولة الوحيدة التي شهدتها سوريا بين 1961  و1963 لاقامة نظام ديموقراطي بعيدا عن العسكر الريفيين الذين مهّدوا لوصول الضباط العلويين الى السلطة على مرحلتين (1966 و1970).

منذ العام 1963، يتدهور الوضع في سوريا بشكل مستمر وصولا الى الانفجار الكبير قبل عشر سنوات، وهو انفجار شعبي تأخّر كثيرا وادّى في نهاية المطاف الى تفتيت سوريا وجعلها تعيش في ظلّ خمسة احتلالات.

استطاع لبنان التقاط أنفاسه في العام 1989 مع انعقاد مؤتمر الطائف ووجود قوى عربيّة تريد مساعدته على العودة دولة طبيعية موجودة على خريطة المنطقة. لكنّ لبنان لم يستطع المحافظة على الحدّ الأدنى من الاستقرار فيه طويلا. تكفّلت سلسلة من الانقلابات في ايصاله الى دولة فاشلة مهدّدة بالشرذمة على غرار ليبيا او اليمن او سوريا...

كان انقلاب واحد او انقلابان او ثلاثة انقلابات كفيلة بتغيير الوضع في هذه العربيّة او تلك. احتاج لبنان، على الرغم من صغره، الى سلسلة من الانقلابات، التي يمكن وصفها بحلقات مترابطة، كي يبلغ الدرك الحالي. صار لبنان شبيها بسفينة تغرق بمن فيها من دون ان يوجد من يريد تقديم له مساعدة من ايّ نوع. هذا على الاقلّ هو وصف وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الذي شبّه غرق لبنان بغرق "تيتانيك" "ولكن من دون أوركسترا تعزف كما حصل لدى غرق تلك السفينة العملاقة في العام 1912.

اخطر ما في الامر انّ قبطان السفينة نفسه قاد كل الانقلابات التي تعرّض لها لبنان في السنوات العشرين الماضية وهو يريد للبلد ان يغرق كونه غير مهتمّ بمصيره ومصير اهله. بالنسبة الى قبطان السفينة الذي يقف وراء الحلقة الأولى من سلسلة الانقلابات التي توجت بإيصال ميشال عون الى موقع رئيس الجمهورية، المهمّ ان يكون لبنان ورقة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك. ثمّة خيط غير رفيع يربط بين كلّ ما حصل في لبنان منذ العام 2005 لدى اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط – فبراير من تلك السنة. هذا الخيط غير الرفيع هو التخلّص من لبنان. لذلك، صار يمكن حاليا الحديث بكلّ راحة ضمير عن بيروت مدينة إيرانية على البحر المتوسط.

في الطريق الى انتخاب ميشال عون، مرشّح "حزب الله" رئيسا للجمهورية، كانت حرب صيف 2006 وكانت سلسلة الاغتيالات التي بدأت بسمير قصير وانتهت، الى الآن، بمحمد شطح. كذلك، كان الاعتصام في وسط بيروت طويلا وكانت غزوة بيروت والجبل في ايّار – مايو 2008 ثم منع لبنان من ان تكون فيه حكومة طبيعية من دون ثلث معطّل. اضطر اللبنانيون الى الذهاب الى الدوحة بعد غزوة "حزب الله" لبيروت والجبل وذلك للتوصل الى اتفاق جديد في ما بينهم. هذا الاتفاق يمثّل عمليا تعديلا للدستور. لم تعد تشكلّ في لبنان حكومة من دون ثلث معطّل يسمح بإسقاطها، كما حصل مع حكومة سعد الحريري في مطلع العام 2011 في الوقت كان فيه الحريري مجتمعا بالرئيس باراك أوباما.

لم يدرك اللبنانيون، في معظمهم، في العام 2016 معنى وصول مرشّح "حزب الله" الى موقع رئيس الجمهورية. استخفوا بالامر. انّهم يدفعون حاليا الثمن. الثمن مرتفع الى اقصى حدّ. قضى عهد ميشال عون، وهو في الواقع "عهد حزب الله" على كلّ مقومات البلد. من المصرف، الى المستشفى، الى الجامعة، الى الفندق، الى المطعم، الى الصحافة والاعلام...

في العام 1989، لدى انعقاد مؤتمر الطائف، كان هناك جهد عربي قادته المملكة العربية السعودية من اجل انقاذ لبنان. ليس في الوقت الحاضر من يريد انقاذ لبنان الذي صار منبوذا عربيا ودوليا. الدولة الوحيدة التي حاولت هي فرنسا التي جاء رئيسها الى لبنان مرتين ليكتشف أخيرا ان اللبنانيين ليسوا قادرين على تشكيل حكومة تقدم على الإصلاحات المطلوبة التي تسمح بحصول البلد على مساعدات. هناك رئيس للجمهورية همّه انقاذ المستقبل السياسي لصهره جبران باسيل الذي فرضت عليه عقوبات أميركية. لا يمتلك رئيس الجمهورية الحد الأدنى من المنطق الذي يجعله يفكّر بطريقة مختلفة تصبّ في مصلحة البلد.

يقول المنطق انّ العقوبات الأميركية على جبران باسيل لن ترفع بمجرد حلول جو بايدن مكان دونالد ترامب في البيت الأبيض. المسألة معقدة اكثر من ذلك بكثير. ما يزيد المسألة تعقيدا انّ هناك قناعة عربيّة بان لبنان ساقط عسكريا وسياسيا. يبقى في كلام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن لبنان أخيرا، في حديث الى قناة "العربيّة"، ما يستدعي التوقّف عنده. قال صراحة: "لبنان لن يزدهر من دون اصلاح سياسي ونبذ ميليشيات حزب الله. هذا البلد يمتلك مقومات للنجاح، لكنّه يحتاج الى الإصلاح".

هل من يريد ان يقرأ او يسمع في لبنان؟ هل لا يزال مجال لمقاومة الرغبة الإيرانية في وضع اليد على البلد... وهو ما حاصل بالفعل بتسهيل من رئيس الجمهورية المسيحي!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان يغرق من دون موسيقى لبنان يغرق من دون موسيقى



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca