الإعدام الثاني لبنكيران

الدار البيضاء اليوم  -

الإعدام الثاني لبنكيران

بقلم - توفيق بو عشرين

خسر الحزب زعيما، وربح وحدة الصف. خسر آلة انتخابية جبارة، وربح حكومة هجينة. خسر فرصة للرد على الانقلاب السياسي، وربح الاحتكام إلى إرادة المناضلين في طقس ديمقراطي حقيقي.

انتصر الخوف على الجرأة، والعاطفة على العقل، والمحافظة على الوضع القائم، عوض تسجيل نقطة نظام إزاء عودة السلطوية الناعمة إلى المشهد السياسي. انتصر الالتباس على الوضوح، والتعقيد على السهولة، لكن هذه هي نتيجة الديمقراطية، لكل فرد صوت واحد مهما كان مستوى فهمه وإدراكه وشجاعته. لا توجد آلية أفضل من الديمقراطية لحسم الخلافات والاختلافات، لذلك، وجب على الجميع الاعتراف بالنتيجة والقبول بها.

حضر كل شيء في المجلس الوطني، الذي انتهى يوم أمس على وقع إسقاط مقترح تعديل المادة 16 التي تسمح لبنكيران بإمكانية الترشح في المؤتمر لولاية ثالثة، الذي غاب هو: الجواب عن سؤال حيوي ومصيري: ما العمل؟ ما العمل لإنقاذ المسار الديمقراطي، الذي يتعرض للتجريف بمشاركة العثماني وتسعة وزراء معه من حزب العدالة والتنمية، قبلوا الدخول إلى حكومة مهلهلة من أجل توفير الغطاء السياسي لإقفال قوس الربيع، الذي فتحه الشباب سنة 2011… أصحاب بنكيران كان لهم شبه أطروحة تقول برد الاعتبار إلى الزعيم الذي أهين، والتشبث بخط سياسي لا يهادن التحكم، وفصل قيادة الحزب عن قيادة حكومة «الاضطرار»، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في انتظار أول فرصة لتصحيح المسار، واستعادة ثقة الناس في قدرة السياسة على إحداث تغيير في حياتهم، أما أنصار العثماني والرميد والرباح والداودي، فإنهم لم يعرضوا على أعضاء المجلس الوطني غير «الخوف» من احتمال الاصطدام بالسلطة، والخوف من التناقض بين قيادة الحزب وقيادة الحكومة، والخوف على بيضة التنظيم، والخوف على وحدة الصف، والخوف على الوزارات وعمادات المدن والجماعات التي يسيرها المصباح، ومع الخوف بعض العواطف، مثل ما ردده العثماني عن كونه يشعر بأن الحزب غدر به عندما دفعه إلى رئاسة الحكومة ثم تخلى عنه (دفوعه هذه تحتاج إلى تدقيق لأن اختياره لم يكن داخل الحزب، وتزكيته كانت مشفوعة برسالة ملكية حملها معه إلى المجلس الوطني).

الخوف من الاصطدام بالدولة إحساس وليس برنامجا، وحتى بمنطق الاعتراف بحق هذا الإحساس في الوجود، فلا بد أن يوازيه خوف آخر من الاصطدام بالمجتمع، في بلاد، للأسف الشديد، الدولة فيها في واد والمجتمع في واد آخر… جميل أن يدافع الرميد عن احترام قواعد التداول على المسؤولية في الحزب، ويحذر من مخاطر خلق الطواغيت بالتجديد المستمر لهم في مواقع المسؤولية، لكن الأجمل منه أن يتحدث الرميد وغيره عن الديمقراطية في الدولة، وليس في الحزب فقط، وأن يدافع عن احترام الدستور الذي تنتهك حرمته كل يوم. الكيل بمكيالين من علامات التجارة الفاسدة.

سيتجه الحزب الآن إلى مؤتمر دون «أطروحة»، ودون برنامج إنقاذ، ودون خطة لاستعادة المبادرة والوفاء لصوت الناخب. أزعم أن جل من عبأ ضد إفساح المجال لبنكيران لخوض سباق الرئاسة فعل ذلك من موقعه وليس انطلاقا من قناعته، وهذا حق يسمح به القانون، لكن السياسة والأخلاق لا يسمحان به.

أمام بنكيران ثلاثة خيارات، لكل واحد منها كلفته وصعوبته وتداعياته وحدوده؛ أمام بنكيران بيات شتوي عمره أربع سنوات على الأقل، في انتظار المؤتمر التاسع للمصباح، حيث يمكنه الرجوع إلى الأمانة العامة لحزب لن يجده في المكانة التي تركه عليها بكل تأكيد، فإذا صمدت حكومة أبريل من هنا إلى انتخابات 2021، فإن الحزب الذي يدعمها سيصل متعبا ومنهكا ومهلهلا إلى الانتخابات التشريعية التي سيعاقب فيها الناخب حزبا مترددا بلا قيادة ولا خريطة طريق، ولا هوية سياسية نضالية ضد الفساد والاستبداد.

أمام بنكيران خيار الانسحاب من حزب العدالة والتنمية نهائيا، والاتجاه إلى تأسيس حزب جديد بهوية سياسية واضحة، ودون ارتباط بجماعة دعوية، ولا بتاريخ للحركة الإسلامية، كما فعل أردوغان في تركيا، حيث غادر حزب الرفاه، الذي كان يقوده نجم الدين أربكان، بكل تناقضاته وأعطابه وعقده، واتجه إلى تأسيس حزب جديد اكتسح أول انتخابات لاحت أمامه.

أمام بنكيران خيار ثالث وهو دعم مرشح مقرب منه للأمانة العامة، وعدم ترك الحزب في ثلاجة العثماني، الذي لا يهمه في كل مسار الحزب الآن سوى تحويل المصباح إلى كيروزين لطائرة الحكومة التي تحلق بلا وجهة.

الاحتمال الأول مكلف للحزب، والاحتمال الثاني مكلف لبنكيران، والاحتمال الثالث مكلف للعثماني، ولا معنى له في هذه المرحلة. أغلبية المجلس الوطني منعت المؤتمر من قول كلمته في مصير بنكيران وأطروحته. الآن سننتظر أول فرصة لنعرف رأي الشعب في الإعدام الثاني لبنكيران بعد الإعدام الأول الذي جرى في مارس الماضي، وفتح الحزب على «فتنة» لن تنتهي بإبعاد الزعيم عن مقر حي الليمون، بل إنها بدأت للتو.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعدام الثاني لبنكيران الإعدام الثاني لبنكيران



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca