كـرة اللجوء... بين «الدولة» و«المجتمع المدني»

الدار البيضاء اليوم  -

كـرة اللجوء بين «الدولة» و«المجتمع المدني»

بقلم - عريب الرنتاوي

قرار الدولة الأردنية، إغلاق حدودها في وجه موجات جديدة من اللجوء السوري، يحظى بتأييد واسع من قبل الأردنيين والأردنيات، كما تشير لذلك وسائط التواصل الاجتماعي وكما يمكن للمرء أن يلمسه ويستشعره في لقاءاته مع مواطنين من مختلف المرجعيات والمشارب... لكن نفراً من نشطاء وقادة المجتمع المدني، ومؤسساته الحقوقية على وجه الخصوص، هم من يتصدون للموقف الحكومي بالنقد والإدانة، وهذا حقهم على أية حال، وهو حقٌ لا يحجب في المقابل، حقنا في مناقشة أطروحاتهم بل وتفنيذها.
ومن موقع «المجتمع المدني»، نرى أن بعض الزملاء والزميلات، وعلى طريقة الفيسبوكيين، يكتفون بسرد ما هو مكتوب في «كتالوج» المعاهدات والمواثيق الدولية، بل ويرددونها من دون نظر إلى السياق الذي يحيط بنا في الأردن، وطنياً وإقليمياً، وهو سياق مفخخ بالتهديدات والتحديات من كل نوع وصنف، ما يجعلنا بغنى عن صب مزيد من الزيت على جمر أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية... 
لم أسمع من «الرفاق» في المجتمع المدني، مناقشة جدية لمقولة الحكومة حول «بلوغنا سقف القدرة على الاستيعاب والاحتمال»، هل هي مقولة كاذبة وتبريرية، أم هي معطيات حقيقة لم تعد تخفى على أحد، وما هو السقف الذي يقترحه «الرفاق» لطاقتنا على الاستيعاب والاحتمال، عندها وعندها فقط، نكون قد وضعنا «الكاتالوج» جانباً، وبدأنا التفكير الجدي والمسؤول، ومن خارج الصندوق أيضاً، ومن دون ذلك، يبقى كل حديث آخر، عرضة لشتى أنواع التفسيرات، من الاتهام بنقص المناعة الوطنية، وحتى تسديد الفواتير لمجتمع المانحين.
أزمة اللجوء التي اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة، كانت «كاشفة»، ففي دول ومجتمعات الغرب، وطن الديمقراطية وحقوق الإنسان الأول، بدا أن ثمة «معادلة دقيقة» يتعين اجتراحها، فلا يفنى الذئب ولا يموت الغنم، لا يضرب بالقيم الحقوقية عرض الحائط، ولا تمس سيادة الأوطان وأمنها واستقرارها ومعيشة أهلها وسكانها... ومن يتابع السجال الأوروبي – الأمريكي على المستوى القومي والقاري والعابر للأطلسي، يكتشف أن ثمة سقوفاً قد رسمت لما يمكن منعه أو السماح به، حتى في أكثر الديمقراطيات عراقة، وأكثر المجتمعات تشبعاً لمصفوفة حقوق الانسان، فما بالك ونحن نتحدث عن الأردن، بكل ما يتميز به من ضيق ذات اليد، وضعف الموارد وقلة الإمكانات.
للاجئين حقوقاً مقدرة ومحفوظة، هذا أمرٌ لا جدال فيه ولا سجال، وللمواطن والمقيم في الدولة المضيفة (الأردن في هذه الحالة) حقوقا ًغير قابلة للتصرف بدورها... وأي اختلال في توازن حقوق الطرفين، سيوقعنا في الخطأ... إن نحن فتحنا الباب على مصراعيه لاستقبال ما لا قبل لنا على استقباله واستيعابه، نكون قامرنا بحقوق المواطن والمقيم في بلدنا، ونكون قد أسسنا لموجة من الكراهية ضد «الأجنبي» و»الوافد»، ونكون قد زرعنا بذرة اصطراع داخلي، ونكون قد هيأنا التربة لخطاب شعبوي عنصري مقيت، ونكون قد عرضنا حقوق الانسان المقيم واللاجئ والمواطن لأشد الخطر تبعاً لهذه المتوالية الخطرة، أليس هذا ما حصل ويحصل في دول شرّعت أبوابها لموجات اللجوء، قبل أن تجد نفسها ضحية لعودة الشعوبية والقومية المتطرفة والعنصرية والفاشية، مع أن أي منها لم يستقبل ما استقبلنا من أعداد اللاجئين، ومع أن كل واحدة منها يتوفر على أضعاف ما لدينا من إمكانات وموارد، ولا مقارنة بين ما نحن فيه وما هم عليه... أليس لنا أن نتعظ ونتدبر.
ثم، من قال أن التزامنا بمنظومة حقوق الانسان ومصفوفتها القيمية، ينزع عنا، أو يملي علينا أن ننزع دثارنا الوطني، وأن نغمض أعيننا كالنعام، عن حسابات أمننا القومي وسلمنا الأهلي واستقرارنا... أليس هذا ما «نتهم» به الإسلامويين، الذين أعماهم خطابهم الديني عن رؤية «هويتهم الوطنية والقومية» والتصرف بما يخدم مصالح شعوبهم ومجتمعاتهم أولاً؟... أليس من المؤسف أن ننهى عن خلق ونأتي بمثله، حتى وإن فعلنا من منظور مدني – ديمقراطي – علماني – حقوقي؟
ولو أن الدولة أخذت بنصائح هذه النفر من الحقوقيين والنشطاء، الذي لا نحجب عنهم حقهم في قول ما يشاءون، والتعبير عن رأيهم كما يرون، لكان معسكر «الركبان» قد تحول اليوم، «قنابل موقتة» تتفجر شظاياها في شوارع المدن الأردنية وميادينها، بعد أن ثبت للقاصي والداني، أن هذا المخيم، وتحت ستار اللجوء، تحول إلى ملاذ آمن، أو كان مخططاً له في الأصل، أن يكون كذلك... ثمة سقوف ومعادلات، إن لم تتقن الدولة والمجتمع المدني، مهارة رسمها وتحديدها، وقعنا في الخطأ، فنصبح إمّا معدومي الإحساس حيال حقوق الانسان اللاجئ، أو بلهاء مفرطين بمصالح بلدنا وحقوق انساننا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كـرة اللجوء بين «الدولة» و«المجتمع المدني» كـرة اللجوء بين «الدولة» و«المجتمع المدني»



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca