بين سياسة ترمب وشخصيته

الدار البيضاء اليوم  -

بين سياسة ترمب وشخصيته

عبد الرحمن الراشد
الرباط - المغرب اليوم

في البيت الأبيض حيث يعمل وينام الرئيس، يشتغل نحو ألفي موظف وعامل، بينهم المنظفون ومنسقو الزهور، مع 234 مساعداً إدارياً للرئيس، و76 مساعداً ومستشاراً له في مجلس الأمن القومي، وفي المجلس الاقتصادي 27، وفي مكتب رسم سياسة العلوم والتقنية 33، وفِي التمثيل التجاري 240، وهكذا.

الرئيس دونالد ترمب، أو من سبقه، لا يستيقظ في الصباح ويقرر السياسة من رأسه. الرئيس مؤسسة، وليس شخصاً بذاته. يعمل معه جيش من المستشارين، وتحت يده إدارات متخصصة تقدم له الخيارات، وبناءً عليها يقرر ضمن سياسة عليا تمثل اليمين الجمهوري الأميركي.
على أي حال، الجميع يعرف الآن أن ترمب رئيس مختلف عن الرؤساء الأميركيين السابقين. وبسبب الخلط بين شخصيته وسياسته يحذروننا من التعامل معه، ويتساءلون: لماذا تراهنون عليه؟

قبل الحديث عنه لا بد من التذكير بأنه في علاقات الأمم التعامل مع رئيس الدولة ليس خياراً، وترمب هو رئيس الولايات المتحدة مهما كان رأي البعض فيه.

لترمب جانبان؛ شخصيته وسياسته. فهو رئيس غير تقليدي، لا يلتزم بتقاليد الرئاسة، تلقائي، شعبوي، يعرف كيف يستميل ناخبيه. وفي آخر استطلاع بين الناخبين الجمهوريين الشهر الماضي أظهر أنه لا يزال يحظى بشعبية عالية، فوق الثمانين في المائة. شخص يحب المواجهة في الأزمات، رغم ما قد تجلب له من متاعب، مثل معاركه مع وسائل الإعلام الأميركية التي بلغت مرحلة لا مثيل لها من الصدام، إلى درجة أنها تبثّ هذه الأيام إعلانات تدعو الشعب للتوقيع على عريضة لخلعه! هذا ترمب وهذه شخصيته.

الجانب الذي يصعب على البعض فهمه هي سياسته. كثيرون يعتقدون أنه بلا سياسة بل هو حالة متفلتة وتلقائية. أبداً، معظم ما يطرحه يعكس سياسة المؤسسة العليا، مثل التعاطي مع الاتفاق النووي وإيران، وكوريا الشمالية، والصين، وأوروبا، والناتو، والإرهاب، ومسائل داخلية مثل التأمين الصحي، والإجهاض، والهجرة وغيرها. وبالطبع له آراء تجد من يعارضها داخل الحزب وهو أمر طبيعي. والخلاف على سياسته حيال روسيا هو الأكثر إشكالاً، ورأيناه يتراجع في تصريحاته بعد عودته من لقاء الرئيس الروسي بما يؤكد أن السياسة العليا تبقى الحَكم الأخير. بل إن ترمب هو الذي أجاز إعلان إدانة الضباط الروس، في قضية استهداف الحزب الديمقراطي إلكترونياً، وذلك قبل لقائه بوتين من أجل الضغط عليه.

أيضاً، هناك قراره فرض رسوم هائلة على واردات الصين، وما قد يسببه من حرب تجارية بين السوقين العملاقتين، فهو يعكس خوف الدولة مما تعتبره صعود الصين على حساب الولايات المتحدة، مستخدمةً تقنية أميركا وتعيش على أسواق أميركية ببضائع مدعومة، وغيره. هذه سياسة الدولة، يشاركه فيها نواب في لجنة مشتركة من الحزبين في مجلس الشيوخ. وسياسة ترمب الهجومية في الدفاع عن مصالح أميركا الاقتصادية أيضاً سياسة عليا تقوم على أركان خمسة: مساندة الأمن القومي، وتقوية الاقتصاد، وعقد صفقات تجارية أفضل، ومواجهة المنافسين، وتصويب الاتفاقات التجارية الثنائية.

ومعظم ما رأيناه، على الأقل في الشؤون الخارجية، يعكس سياسة الحكومة. الجديد هو أسلوب الرئيس. في بروكسل، وبعد أن دخل ترمب غرفة الاجتماعات، وجلس قبالة سكرتير منظمة حلف الناتو، وفُتح الباب ليدخل الصحافيون والمصورون ليلتقطوا الصور، فاجأ ترمب الجميع، باستثناء فريقه، عندما انتقد ألمانيا بشدة أمام ذهول ممثلي «الناتو». ورغم غرابة الموقف لم يخرج تصريح ترمب عن موقف المؤسسة الأميركية منذ فترة سبقت وصول ترمب للرئاسة. فواشنطن لم تكن راضية عن توجه أوروبا باستيراد الغاز، وبكميات كبيرة من روسيا، لأنه يعزز من نفوذ الروس سياسياً ويقوّيهم اقتصادياً. المألوف أن يقتصر تصريح الرئيس أمام الصحافيين على المجاملات، مثلاً أن يعبر عن متانة العلاقة مع شركائه في «الناتو»، وبعد أن يخرج الصحافيون ويغلق الباب، يصارح المفاوضون بعضهم بعضاً، ويهاجم ترمب موقف ألمانيا والحلف إن شاء. ترمب عكس موقف واشنطن الحقيقي، قاله بأسلوب ترمب الذي يفضّل أن يحرج الطرف الآخر. وزير خارجيته الذي كان جالساً بجواره لم تبدُ عليه علامات المفاجأة لأنها كانت تصريحات مرتبة مسبقاً داخل الفريق الأميركي، مستفيدين من شخصية ترمب الجدلية، وهو نفسه يسعى للتكسب من الشعبية داخل الولايات المتحدة. عينه على الانتخابات النصفية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وعينه الأخرى على الانتخابات الرئاسية، لاحقاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين سياسة ترمب وشخصيته بين سياسة ترمب وشخصيته



GMT 04:12 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

الإرهاب والفساد السياسي

GMT 04:35 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

استئذان فى إجازة

GMT 04:32 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

غضب الشباب ويأس الشيوخ

GMT 02:59 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

العراق نموذجا!

GMT 02:57 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

عيون وآذان " ترامب في صحافة بلاده والعالم - 2"

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca