لماذا تتصاعد حرب الشّائعات ضدّ الدولة السوريّة هذه الأيّام

الدار البيضاء اليوم  -

لماذا تتصاعد حرب الشّائعات ضدّ الدولة السوريّة هذه الأيّام

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

في شهر آذار (مارس) المُقبل تُكمِل الأزمة السوريّة عامها العاشر، ومن غير المُعتَقد أن تُقام مهرجانات احتفاليّة لإحياء ذكرى هذه المُناسبة، فالجانب الأمريكي الأوروبي المدعوم بالمال النّفطي العربي، والجماعات المسلّحة، لم ينجح في تغيير النظام وإن كان نجح في جرّ البِلاد إلى الدّمار، أمّا الجانب الآخر، أيّ الدولة السوريّة، فرُغم استِعادتها أكثر من 80 بالمئة من أراضيها، تُواجه مصاعب جمّة، اقتصاديّة وإنسانيّة وأمنيّة، نتيجة حِصار تجويعي ظالم على أكثر من 20 مِليون من مُواطنيها قرّروا البقاء والصّمود، وعُدوانات إسرائيليّة مُستَمرّة من سنوات أدّت إلى استِشهاد المِئات، وفوق كُل هذا وذاك انتِشار وباء فيروس الكورونا الذي بات يَحصِد آلاف الأرواح شهريًّا.

وضع سوري رسمي وشعبي في ذروة الصّعوبة وجبهات عديدة مفتوحة في الوقتِ نفسه لاستِنزاف سورية تَقِف خلفها قِوى عُظمى إقليميّة ودوليّة، تنفيذًا لمُخطّط هدفه الأوّل تفتيت البِلاد، وسرقة ثرواتها الطبيعيّة من النّفط والغاز، وبَذر بُذور الفتنتين الطائفيّة والعِرقيّة، وضخ مِئات المِليارات الدّولارات، وعشرات آلاف من المسلّحين لتحقيق هذا الغرض، ولكنّ صُمود الجيش العربي السوري طِوال السّنوات العشر الماضية، والتِفافه حول دولته وقيادته، أفشل الجُزء الأكبر من كُل هذه المُخطّطات، والصّبر الاستِراتيجي، وسياسة النّفس الطّويل حقّقت الكثير من الإنجازات.

***
ربّما يقول البعض أنّ كل ما تقدّم لا يحتوي على أيّ جديد، وسمعناه طِوال السّنوات الماضية، وهذا صحيح، ولكن لا يُمكن الحديث عن الجديد، وأحدث تطوّراته، دُون العودة إلى البِدايات، وتشريح الأزمة، وطبيعة المُؤامرة، ورسم ملامح الكوارث التي يُمكن أن تترتّب عليها.
بعض الجديد، والأكثر سُخونةً، في المشهد السوري الرّاهن، مُسلسل الشّائعات، وحلقاته الحافلة بالرّوايات الكاذبة والمُلفّقة، التي انشغلت السّلطات الحاكمة في نفيها لتحصين الرأي العام المُرهَق من آثارها النفسيّة، بسبب تَكاثُر الأزمات المعيشيّة من كُل الجهات بفِعل الحِصار ابتداءً من أزمة رغيف الخبز، ومُرورًا بالشُّح في المحروقات، وانتهاءً بضعف النّظام الصحّي، وانخِفاض قيمة الليرة السوريّة، ويُمكن تلخيص حلقات هذا المُسلسل في النّقاط التّالية ونبدأ بالأحدث:
أوّلًا: الحديث عن “بندٍ سرّي” في اتّفاق تبادل الأسرى بين الحُكومة السوريّة ودولة الاحتِلال الإسرائيلي برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيًّا، وتَزاحُم التّسريبات عن تعهّدٍ إسرائيليٍّ بشِراء لقاحات لمُواجهة انتِشار الكورونا تُقَدَّر قيمتها بملايين الدّولارات، ومُقابل الافراج عن “معتوهةٍ” إسرائيليّة اخترقت الحُدود السوريّة.
ثانيًا: تسريب أنباء عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي يَضُم ثمانية جِنرالات انشقّوا عن الجيش السوري، يتولّون مع آخَرين تَزَعُّم البِلاد في مرحلةٍ انتقاليّة، والتّأكُّد بأنّ هذا المجلس يحظى بالدّعمين الروسي والأمريكي.
ثالثًا: حبك قصّة عن لقاء تفاوضي سوري إسرائيلي في قاعدة حميميم الجويّة الروسيّة تماشيًا مع “المُوضة” التّطبيعيّة العربيّة الحاليّة.
رابعًا: تسريبات مُتَعدِّدة بأنّ المُناضل اللّبناني العُروبي أنيس النقاش الذي توفّى قبل يومين في أحد مُستشفيات دِمشق بفيروس الكورونا كانت وفاته نتيجة عمليّة اغتِيال جرى التَّكتُّم عليها وليس بالفيروس المذكور، على غِرار اغتِيالات أُخرى استهدفت قادة في المُقاومة الفِلسطينيّة والحرس الثوري الإيراني.
خامسًا: تخلّي الرئيس الروسي بوتين عن الرئيس الأسد وتأجيل الانتخابات الرئاسيّة (مُنتصف عام 2021) وفتح باب التّرشيح لوُجوهٍ جديدةٍ بتوافقٍ روسيّ أمريكيّ.
سادسًا: تسريب أنباء عن إصابة الرئيس السوري بنَوعٍ من السّرطان يتّسم بالخُطورة، وصعب العِلاج.
الفتاة الإسرائيليّة التي استعادتها دولة الاحتِلال حاولت اختِراق الحُدود إلى قطاع غزّة ثلاث مرّات، والتّسلّل إلى الأردن ولبنان، ونجحت أخيرًا في الوصول إلى الجانب السّوري من الحُدود عبر طُرق جبل الشيخ الوعرة، وتحدّثت صُحف إسرائيليّة عن إصابتها بمَرضٍ نفسيّ، أمّا قصّة المجلس العسكري الانتقالي فلم تُعَمِّر طويلًا وانهارت بعد أيّام معدودة، والاستِعدادات لإجراء الانتخابات السوريّة تتم في موعدها على قَدمٍ وساق، أمّا قصّة شِراء إسرائيل لقاحات روسيّة من نوع “سبوتنيك” ذات الكفاءات العالية فلا تحتاج إلى نَفيٍ من الأساس، فهل يَصعُب على روسيا التي خَسِرَت المِليارات، والمِئات من جُنودها في سورية، تقديم هذه اللّقاحات إلى حُلفائها في سورية بحيث يلجأ السوريّون إلى دولةِ الاحتِلال.
***
لا نُنكِر مُطلقًا أنّ هُناك أخطاءً ارتكبتها الحُكومة السوريّة، تتلخّص في انتِشار الفساد والمحسوبيّة والبيروقراطيّة، والتّغوّل الأمني، وغِياب الكفاءة لدى بعض المسؤولين، ووجود مُمارسات طائفيّة كريهة من قِبَل بعض الفاسدين المحسوبين على النّظام، ونأمل أن يرى الشّعب السوري إصلاحات جذريّة تجتث كُل هذه السّلبيّات من جُذورها وفي أسرعِ وقتٍ مُمكن، مع أخذنا في الاعتِبار حالة الحرب والحِصار التي تعيشها البِلاد.
خِتامًا نتمنّى على الرئيس الروسي بوتين الذي بات يتصرّف مثل “الأُم تيريزا”، حسب توصيف بعض الصّحف الإسرائيليّة، ويتدخّل من أجل تقديم هدايا “إنسانيّة” للطّرف الإسرائيلي، مِثل البحث عن رُفات جُنود إسرائيليين مدفونين في مخيّم اليرموك، أو الإفراح عن هذه الفتاة “المُختلّة نفسيًّا”، وإعادَتها إلى أُسرتها، نتمنّى عليه، أن يتدخّل “إنسانيًّا” أيضًا لوقف الغارات الإسرائيليّة العُدوانيّة المُستمرّة على سورية، أو يدعم الجيش العربي السوري بالأسلحة والعتاد المُتطوّر (صواريخ إس- 400) للتّصدّي لهذه الغارات في إطار حقّه في الدّفاع عن النّفس وردع العُدوان.
سورية العُروبة الإسلام خرجت من عُنُق الزّجاجة بصُمودِ الشّرفاء من أبنائها وانتِصارهم على المُؤامرة، ولم يبقَ إلا القليل.. والأيّام بيننا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تتصاعد حرب الشّائعات ضدّ الدولة السوريّة هذه الأيّام لماذا تتصاعد حرب الشّائعات ضدّ الدولة السوريّة هذه الأيّام



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca