هذا اللقاح لي!كوفيد 19

الدار البيضاء اليوم  -

هذا اللقاح ليكوفيد 19

سوسن الأبطح
سوسن الأبطح

«الأنانية كريح الصحراء، تجفف كل شيء». وما ارتكبته الشركات المطوّرة للقاحات «كوفيد 19» يرقى إلى مستوى الجريمة. فقد قررت احتكار إنتاج بضاعتها، لتجني وحدها المليارات، وتحتفظ بتفوق أممها على باقي الخلق، ولو تسببت في موت فقراء الأرض، فإذا بشعوبها تقع في الفخ، لكن لات ساعة مندم. باسم الملكية الفكرية، ولألف حجة، لا علاقة لها بالإنسانية، وحقوق الإنسان التي تدّعيها، منعت هذه الشركات (مع استثناء صغير لـ«أسترازينيكا»)، تعميم الفائدة أو نقل تكنولوجيا المعرفة، لتتقاضى ما تريد من الأسعار، وتحرم من تشاء من العباد، مع علمها المسبق باستحالة قدرتها وحدها على تصنيع كمية تكفي البشرية جمعاء، في وقت قياسي.

بالنتيجة، وصلنا متحور «أوميكرون»، ونصف سكان العالم وأكثر لا يزالون بلا لقاح. راكمت مجموعة العشرين الغنية 80 في المائة، من أصل 18.7 مليار جرعة أنتجتها المعامل، أُعطي المساكين منها سوى 270.7 مليون جرعة. وإمعاناً في التبذير والغطرسة، تحتفظ الأمم التي حجزت كل لقاح سمعت به بـ241 مليون جرعة فائضة عن حاجتها، قد ينتهي بها المطاف إلى النفايات والإتلاف، أو التبرع أو إعادة البيع.

هذه الدول نفسها التي حجزت جلّ الجرعات المنتَجة يعتقد أنها ستكون على رأس لائحة المهددين، بهجمة «دلتا» الحالية، وبالمتحور الجديد «أوميكرون»، رغم أنها حصنت غالبية سكانها. وبدل التركيز على العدالة والإنصاف ومساعدة من تم إقصاؤهم كلياً، في الفترة السابقة، ها هي الدعوات قد فتحت للبدء بالجرعة المعززة للأغنياء، رغم تحذير منظمة الصحة من أن الجرعة الثالثة لا كبير جدوى منها. و«هي مجرد إهدار للقاحات يجب توجيهها للدول المحتاجة».

أكثر من ذلك، كتبت مجلة «ذا لا نست» العلمية الرصينة أنه «لم يتم التوصل لأى دليل طبي يؤكد الحاجة إلى منح جرعة ثالثة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا لكل المواطنين، بهدف تعزيز مناعتهم ضد الإصابة بالفيروس». المقال وقّعه عدد من علماء اللقاحات من مختلف أنحاء العالم، واثنان من المديرين المتقاعدين من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه). هؤلاء رأوا أنه من الأجدى الاستفادة من اللقاحات الموجودة، لحماية أرواح من لم يحصلوا على أي جرعة.

لكن لا أحد يسمع، وربما أنهم لا يقرأون أيضاً. جلّ ما فعلته الدول المقتدرة، عندما أعلنت دولة جنوب أفريقيا اكتشافها للمتحور الجديد، أنها عزلت هذا البلد المسكين، وعاقبته على شفافيته وأمانته، بالنبذ والمقاطعة، وهو ما ستكون له ارتدادات كارثية. «أوميكرون» ليس صناعة جنوب أفريقية، فقد تبين أن ثمة حالات في قلب أوروبا، لكن جوهانسبورغ كانت أمهر وأسرع في الفحص والتحليل، ما سيجعل من يكتشف متحورات جديدة مستقبلاً يتكتم عليها حتى تنتشر وتستفحل، بدل إطلاق الإنذار.

وعلى عكس ما يشاع، فإن متحور «دلتا» الآن هو الذي يضرب أوروبا، بعد أن فقدت مع أميركا والهند والبرازيل أكبر عدد من الضحايا، رغم كل التعنت والاستئثار بالأدوية واللقاحات، والعمل بمقولة «من بعدي الطوفان»، ما يؤكد أن الفيروسات ليست طبقية، بل على العكس، تبحث عن المكان الأضعف، والنقطة الأوهن، لكنها لا ترحم في النهاية أحداً. وما يتوجب فعله، كما نصحت منذ البداية منظمة الصحة، هو تقاسم اللقاحات بالعدل والقسطاس، وتحصين الجميع بالقدر نفسه، بصرف النظر عمن يملك الثمن أو لا يملكه، لأن المتحور حين ينبت في مكان من المحال أن يبقى فيه.

ليس ذنب جنوب أفريقيا أنها لم تتمكن من تلقيح أكثر من 14 في المائة، واليمن 1 في المائة فقط، وتشبههما دول أفريقية، فيما بلغت النسبة في إسبانيا 80 في المائة، وفي فرنسا وألمانيا وأميركا ما يقارب 60 و70 في المائة، ومع هذا فإن المخاوف كبيرة جداً على هذه الدول تحديداً، حتى قبل وصول «أوميكرون». السكان هناك في دائرة الخطر الشديد، بسبب البرد، والتجمعات في أماكن مغلقة، مع حلول موسم الأعياد والاحتفالات. فقد ارتفع عدد المصابين في فرنسا خلال الأيام الـ15 الأخيرة إلى 30 في المائة. ويتوقع أن تشهد القارة العجوز مع بلوغ شهر فبراير (شباط) وفاة نصف مليون شخص إضافي، رغم كل ما اتخذته من احتياطات وإجراءات. فثمة من يمرضون رغم اللقاح، ومن يرفضون فكرته أصلاً، وهناك الأطفال والمعزولون والخائفون.

كان أنجع للجميع الإصغاء إلى نصائح منظمة الصحة، والسعي إلى تلقيح نصف سكان كل بلد، للتخفيف من حدة المتحورات، والخضوع لإنسانية عدالة توزيع الجرعات. لكن الإيثار صعب، إن لم يكن مستحيلاً، طالما أن كلاً ينادي: «هذا اللقاح لي»، ولا يعنيه أن كان مفيداً، أو أن يبقي غيره في عراء الفيروس.
فاق عدد ضحايا فيروس «كورونا» رسمياً 5 ملايين شخص. التقديرات أن العدد الحقيقي هو الضعف أو 3 أضعاف، لأن كثراً قضوا، ولم يتم إحصاؤهم، بسبب حالة الفوضى والإرباك في الأوساط الطبية خلال السنتين الأخيرتين.

مع ذلك، نصف سكان العالم لا يزالون بلا تلقيح. هؤلاء أجسادهم مختبرات حية، ونشطة، لتطوير طفرات جديدة، يمكن أن تكون في كل مرة أشد بأساً من التي قبلها. بالأمس «دلتا»، واليوم «أوميكرون»، وغداً اسم آخر، عدد الضحايا يتزايد، وعلماء وحكماء يفترض أنهم أذكياء، يرفضون التخلي عن شيء من شرههم. قيل ذات يوم: «شرّيرٌ كل من لا يعمل إلا لمصلحته الذاتية»، والأصح أنه «غبي».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا اللقاح ليكوفيد 19 هذا اللقاح ليكوفيد 19



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:52 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على أهرامات متنوّعة قبالة سواحل جزر البهاما

GMT 05:32 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

"جواغوار" تطرح سيارتها طراز E-1965 للبيع 5 حُزيران

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 15:14 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

صعقة كهربائية تودي بحياة عامل بناء ضواحي مراكش

GMT 05:18 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يحددون مكان بداية مرض الزهايمر المدمر في المخ

GMT 05:42 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

سراييفو تعتبر واحدة من أكثر المدن إثارة في أوروبا

GMT 04:34 2018 السبت ,10 شباط / فبراير

عَرْض سيارة إلتون جون موديل 1997 الوحيدة للبيع

GMT 07:41 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تجميع أكبر خريطة قديمة بعد أكثر من 400 عام

GMT 04:41 2014 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

مها أمين تطرح مجموعة جذابة من تصميمات "الكروشيه"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca