لبنان: شراء وقت وإدارة أزمة في غياب معارضة حقيقية

الدار البيضاء اليوم  -

لبنان شراء وقت وإدارة أزمة في غياب معارضة حقيقية

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

عبر لبنان خلال الأسابيع الأخيرة أربع محطات سياسية بعد الانتخابات النيابية، كلها أكدت المؤكد للعارفين ببواطن أزمة البلد. وفي ظل احتلال فعلي واقع يُصر المجتمع الدولي على تجاهله، وبموجب قانون انتخاب مفصل على قياس هذا الاحتلال، وتحت سطوة سلاحه وهيمنته الأمنية على أجهزة الدولة، ما كان ممكناً أن تكون النتيجة مختلفة عما رأيناه ونراه.
هنا أستدرك، فأقول إن هذا لا يعني أن اللبنانيين أيدوا بمحض إرادتهم بقاء الاحتلال وديمومته... بل على العكس، أظهر المجتمع اللبناني ديناميكية تستحق التقدير في ظل تكالب ظروف خارجية ضده. ولكن في المقابل، يتحمل اللبنانيون – كلهم تقريباً – مسؤولية تقوقعاتهم الطائفية والغرائزية وثقتهم المفرطة بقيادات «تقليدية» «وتغييرية» أثبتت - وتثبت الآن - انعدام رؤيتها وقلة مسؤوليتها ورفضها التخلي عن حساباتها الصغيرة ومناكفاتها الانتحارية.
نعم، غالبية اللبنانيين، المحرومين والجياع والمحبطين والناقمين، تعرف منذ البداية «ما لا تريده»... غير أنها رغم كل ما مرت به من إحباطات وآلام، أخفقت في التوافق على «ما تريده» من بدائل عملية جامعة كفيلة بتغيير المعادلات.
أربع محطات قطعها الساسة اللبنانيون بعد «انتخابات اللاانتخابات» في عهد فرضه الاحتلال، وتحكم في سياساته لقاء تقديمه ترضيات و«تنفيعات» شخصية وحزبية وطائفية، و«فبركته» زعامات وهمية عبر وعود ترئيسية وتوزيرية.
المحطة الأولى كانت انتخاب رئيس مجلس النواب (البرلمان)، وهو أول استحقاق بعد انتخاب أي برلمان جديد. وهنا، مع هذه المحطة ما كان ارتباك الصورة بالسوء الذي ظهر عليها لاحقاً. ذلك أن هذا المنصب مخصص للطائفة الشيعية حصراً. ولقد حرص «الثنائي الشيعي» المكون من «حزب الله» و«حركة أمل» على احتكار كل المقاعد الشيعية الـ27 مهما كلف الأمر، وهذا ما حققه، إذ لا يوجد في البرلمان أي نائب شيعي خارج كتلتي هذا «الثنائي». ومن ثم، بوجود الرئيس نبيه بري مرشحاً للمنصب بدعم من «حزب الله»، ما كان هناك من منافس... وكان من الأوفق أصلاً إعلان فوزه بالتزكية نظراً لغياب أي مرشح بديل.
المحطة الثانية، المتعلقة بانتخاب نائب رئيس المجلس، كانت اختباراً أكثر جدية بكثير على صعيد فرز المواقف السياسية، رغم تواضع أهمية المنصب. هذا الموقع محجوز للطائفة الأرثوذكسية التي لا تقود القاطرة السياسية الحزبية في «المعسكر المسيحي» ولا يخرج منها المرشحون لمنصب رئاسة الجمهورية. ثم إن الأرثوذكس موزعون جغرافياً على مناطق عدة في لبنان بحيث لا تستطيع كثافتهم السكانية التأثير إلا على مناطق قليلة مثل قضاء الكورة في شمال البلاد. كذلك تجاوز الأرثوذكس منذ زمن بعيد «الحالة الإقطاعية» و«العصبية السياسية العائلية» التي لا تزال موجودة عند كبرى الطوائف المسيحية، أي الموارنة، ناهيك عن أن الأرثوذكس كانوا دائماً في طليعة حركات الانفتاح الطائفي والقومي والتعددية الآيديولوجية سواء على مستوى لبنان أو المنطقة العربية.
في «المعركة» الأرثوذكسية تلاشت فرحة «الانتصار» المأمول عندما تشتتت صفوف قوى المعارضة، واستطاع تحالف «الثنائي الشيعي» و«تيار» الرئيس ميشال عون تأمين فوز مرشحه الوزير السابق إلياس بو صعب على منافسه المدعوم من المعارضة وقوى التغيير البروفسور غسان سكاف ولو بفارق أصوات غير كبير.
وتكررت نكسة المعارضة والتغييريين في المحطة الثالثة، التي هي انتخاب اللجان البرلمانية المتخصصة، وفيها هيمن «الثنائي الشيعي» وحليفه «العوني» على أهم اللجان، مقابل تشرذم الصف المقابل واكتفاء مرشحيه بفتات المائدة.
وأخيراً، وصل قطار النكسة والخيبة إلى محطته الرابعة، المتمثلة بالمشاورات الوزارية.
وراء الكواليس كان واضحاً وجود ضغوط دولية تبذل لإعادة تكليف رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي. هذه الضغوط، التي كشف نجاحها بالأمس هشاشة المعارضة وانقساماتها، تبدو من الناحية المنطقية... مبررة. وفي طليعة المبررات أن ميقاتي هو الآن الممسك بالدفة في غياب أي زعامة مسلمة سنية منافسة بعد انكفاء الرئيس سعد الحريري وحثه أنصاره على مقاطعة الانتخابات... بل وإقدام بعض المحيطين به على محاربة رفاق دربه السابقين الذين ارتأوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه بدلاً من تسليم البلاد تسليم اليد إلى «حزب الله» والعونيين.
أيضاً ما عزز فرص إعادة تكليف ميقاتي، أن الرجل يرتبط بعلاقات وثيقة مع عدد من عواصم القرار الدولي المؤثرة في لبنان مثل باريس وواشنطن، إلى جانب عدد من العواصم العربية. ويضاف إلى ذلك أنه رجل مجرب يجيد تدوير الزوايا والإبقاء على «شعرة معاوية» مع مختلف اللاعبين محلياً ودولياً.
ولكن، لعل الاعتبار الأهم والأخطر في ميل البعض إلى خيار تكليف ميقاتي هو السعي إلى تفادي المجهول. ذلك أن عهد رئيس الجمهورية ميشال عون في أشهره الأخيرة، ولا تبدو في الأفق – وسط الغيوم الدولية المتراكمة – ما يبشر بسهولة انتخاب بديل لعون. وهذا يعني أن الحكومة العتيدة برئاسة ميقاتي قد تتولى تسيير البلاد في حال وقع الفراغ الرئاسي. وهذا قد يكون أفضل الممكن في بلد التكلفة السياسية لانهياره أكبر بكثير من تكلفة إعادة لملمته وبنائه، لا سيما، أن المنطقة مُشرِفة على مرحلة رسم خرائط جديدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان شراء وقت وإدارة أزمة في غياب معارضة حقيقية لبنان شراء وقت وإدارة أزمة في غياب معارضة حقيقية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca