تأملات «على الماشي»

الدار البيضاء اليوم  -

تأملات «على الماشي»

حسن البطل
الرباط - المغرب اليوم

"السروة انكسرت"، "كل ما في الأمر أن السروة انكسرت" .. لكن شجرة التين العتيقة انكسرت بطريقة غريبة. 

"القطن المندوف" هو الثلج في الإنشاء المدرسي العتيق، لكنه كان سيف السماء المسلول، بل كان بلطة مارد ضربت في ثلجة كانون الأول الغريبة.

ناءت الأشجار، ناخت غصونها، والفروع تقصفت وانكسرت جملتها الخضراء من الغصون والفروع، لكن شجرة التينة البرية المهملة انقسم ظهرها، جذعها، بضربة بلطة، فصارت مثل ضريح الشاعر جناحَي فراشة، صاحب "كل ما في الأمر أن السروة انكسرت".

الجذع من خشب السللوز، ولحاء الجذع هو دثار يحمي سير دبيب نسغ الحياة في الجذع إلى الفروع والأغصان والأفنان، وثلجة كانون الأول لم تكن رهيفة خفيفة مثل "الثلج المندوف" بل كأنها القشة في رهافة سيف وقوة بلطة قصمت جذع التينة نصفين متساويين!

عشرون عاماً أراها دردبيس عارية شتاء، وترتدي عباءة خضراء كثيفة صيفاً، وتعقد فروعها ثمراً في آخر الصيف وأول الخريف.

قلت: ماتت. قلت ستموت في الصحوة الخضراء في آذار ونيسان. قلت لن أقطف ثمرة تين من أغصانها الدانية. قلت ما قلت، كأن عظام جذعها كعظام جذع مخلوق حيواني، تتفرع منه أضلاع كالغصون والفروع، واللحاء هو الجلد، والنسغ هو الدم .. ولكن كلا؟

تصدعت الشجرة. انكسر جذعها نصفين..ناخت فروع كل جذع حتى لامست أديم الأرض .. لكنها لم تمت. انكسرت ولم تمت. شاركت غصونها في صحوة آذار، وأورقت أفنانها .. وقد تحمل فروعها وأفنانها ثماراً آخر الصيف وأول الخريف.

لم تنكسر سروة تحت وطأة بساط ثقيل من "ثلج مندوف" صار جليداً لأسبوعين. انكسر جذع رئيس في شجرة الصفصاف في حديقتي، لكن للشجرة إياها فسائل تصير جذوعاً بديلة .. وتورق.

أشجار غيرها صارت "كتعاء" بلا أذرع وأيد، بلا أصابع؛ بلا جملة غصنية .. ولكنها ستنمو من جديد.

ست نخليات

ست شجرات نخيل تحيّرني في أول رام الله التحتا. ست شجرات عاقرات عن الحبل والولادة ثمراً كما نخليات التمور. ثلاث شجرات في حوضة في قرنة من الشارع وثلاث شجرات في حوضة مقابلة من الشارع.

ما الذي يحيّرني؟ ألأنها ذات طول سامق كما ليس للسروة، ولا لباقي النخليات؟ أم لأن جذعها أملس وأهيف، أم لأنها ترقص مع الريح العاتية رقصة صمود ولا ينكسر جذعها الرهيف.

لكل شجرة عمرها المقدّر بالسنوات والأجيال والقرون. لكل شجرة علوها الأقصى عن أديم الأرض.. وهذه الشجرات الست تنمو وتعلو بتاجها الأخضر اللامع كل سنة مزهوة، كل عقود مزهوة .. وربما عمرها من عمر أول بيت رُفع بنيانُه في رام الله التحتا.

غضب زميلي زكريا محمد قبل عشرين سنة عندما شدّوا بين جذعي شجرتين أُنشوطةً علّقوا عليها "دلة" قهوة. البلدية لبّت غضبه ورفعت "الدّلة" .. وأنا شكرته والبلدية.

صحيح، هناك خمس نخليات عاقرة في ساحة المنارة، لكنها نوع آخر غليظ الجذع نسبياً، وغير أملس، ويعلقون حبالاً بين جذوعها ويافطات تدعو لما يدعو إليه لسان الناس من فرح ومن غضب!

شعر أخضر؟

صار الرجال "يصلعون" قبل الأوان، او صار الشباب يسألونني: إن لم تصلع الى الآن فمتى تشيب!

شعر الرأس تاج، والتاج أسود اللون أو أحمر أو أشقر سيغزوه الشيب والبياض، او تغزوه "الثعلبة" والصلع.

لكن لبعض البيوت القديمة، من حجر قديم وسميك سطحاً كانوا "يدحلونه" مطلع كل شتاء ليرصرصوه حتى لا يدلف. لهذه البيوت سقوف من تراب على سطحها، وسقوف "عقد" داخلها.

إنها تشارك في صحوة الربيع، وترتدي سطوحها "قبعة" من شعر أخضر، او تنبت من بين شقوق جدرانها نباتات بل شجيرات دائمة الخضرة او متساقطة الأوراق.

بيوت مهجورة تئن بهذا النشيد "يا دار / يا دار لو عدنا كما كنا / لأطليك يا دار بالشيد والحنا". مات أصحابها وهي في احتضار طويل!

يقولون تموت البيوت (وأشجار البيوت) بعد موت أصحابها، لكن في نزاع موتها تقوم النباتات والشجيرات بدور كفن أخضر. السقف بلا دحل ينهار، والجدران تتفسخ مداميك حجارتها بقوة جذوع الشجيرات والنباتات.

الموت حياة؛ والحياة موت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات «على الماشي» تأملات «على الماشي»



GMT 04:12 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

الإرهاب والفساد السياسي

GMT 04:38 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

بين سياسة ترمب وشخصيته

GMT 04:35 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

استئذان فى إجازة

GMT 04:32 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

غضب الشباب ويأس الشيوخ

GMT 02:59 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

العراق نموذجا!

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:52 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على أهرامات متنوّعة قبالة سواحل جزر البهاما

GMT 05:32 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

"جواغوار" تطرح سيارتها طراز E-1965 للبيع 5 حُزيران

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 15:14 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

صعقة كهربائية تودي بحياة عامل بناء ضواحي مراكش

GMT 05:18 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يحددون مكان بداية مرض الزهايمر المدمر في المخ

GMT 05:42 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

سراييفو تعتبر واحدة من أكثر المدن إثارة في أوروبا

GMT 04:34 2018 السبت ,10 شباط / فبراير

عَرْض سيارة إلتون جون موديل 1997 الوحيدة للبيع

GMT 07:41 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تجميع أكبر خريطة قديمة بعد أكثر من 400 عام

GMT 04:41 2014 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

مها أمين تطرح مجموعة جذابة من تصميمات "الكروشيه"

GMT 17:30 2016 الخميس ,29 أيلول / سبتمبر

الهولندي أرين روبن يسعى للبقاء مع "بايرن ميونيخ"

GMT 03:09 2014 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

بريطانية تنجب 4 توائم دون تدخل طبي وبعد انتظار 4 سنوات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca