اليد العليا

الدار البيضاء اليوم  -

اليد العليا

بقلم - لمرابط مبارك

… وبعد صمت مؤلم نسارع إلى تغيير الموضوع. نلوذ بالحديث عن موغابي (الديكتاتور الزمبابوي المستقيل) وعن سعد الحريري، وعن أي شيء آخر إلا هذه المأساة.. إلا هذه الفاجعة التي تضعني – وأحدس أنها تضعك أنت أيضا- أمام عجزي وجبني وقلت حيلتي.. أمام لا جدوى الكلام والكتابة.. لا جدوى كل تلك المبادئ التي أومن بها، إيمان العاجز، الذي يكتفي بتربية أمل أخضر هش في ثنايا الصدر.
فقط، أسارعُ إلى الانشغال بأي شيء رافعا الدعوات أن يسعفني النسيان، كما أسعفني (كما أسعفنا) في العديد من الكوارث والمآسي التي سبقت فاجعة بولعلام، والتي تشكل سلسلة تبدو لا نهائية (حريق حافلة طنطان.. حادثة السير بين مراكش وورزازات.. انهيار بيوت بورغون بالدار البيضاء.. مسجد مكناس.. إلخ.
ما حدث في بولعلام، وبغض النظر عن أسبابه المباشرة، يكشف أن ذلك الخط الذي قيل إن الماريشال ليوطي رسمه على خارطة المغرب من وجدة إلى أكادير، وقسم به المغرب إلى جزء “نافع” وقسم “غير نافع”، لم يكن دقيقا لأنه اقتصر على الجغرافيا، في حين أن “المغرب النافع” و”المغرب غير النافع”، في تقديري، مفهومان يكتسيان طابعا آخر يتجاوز الجغرافيا بكثير، مفهومان يختلط فيهما ما هو سياسي بما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي.
فهناك “مغرب غير نافع”، هذا البَراحُ الممتد القاحل الذي لا يتوفر على أبسط وسائل العيش، والذي تجاهد الكائنات المغربية للبقاء على قيد الحياة وإن كان ذلك خارج الزمن والمكان، وعلى بعد أمتار أو كيلومترات معدودة جغرافيا وسنوات ضوئية إنسانيا، هناك “المغرب النافع”، حيت يرفل “مغاربة آخرون” في النعيم (بدرجات متفاوتة، ولكنه يظل في أدنى مستوياته نعيما، مقارنة بما يعانيه القسم الأولى غير النافع).
ما حدث في بولعلام يذكرنا بحقيقة نتغافل عنها لننسى وخزاتها المؤلمة: إن حياة جزء مهم من المغاربة متوقفة على الاستجداء، ويمدون أيديهم للحصول على كيس دقيق وعلبة شاي وقنينة زيت. ما حدث يذكرنا بأن “الإحسان” ثقل آخر من تلك الأثقال التي تعيق تحرك الكائن المغربي، وتجعله لا يبرح مكانه رافعا بصره، باحثا عن تلك اليد العليا التي “تمنحه” (سبل البقاء على قيد) الحياة، والتي تصفعه إن هو امتعض، ولعل هذا ما يجعل هذا الكائن يسارع دوما إلى تقبيل الأيادي (يد الفقيه.. يد القايد.. يد العامل.. يد الغني…).
وهذا الكائن لا يتردد في تقبيل هذه اليد لأنه يحس أنه أعزل أمامها.. عار من كل شيء.. فلا ظل إلى ظلها.. ولا حياة من دونها. فإن هي أمسكت تستحيل الأرض مقبرة كما قال عبدالله راجع.
إن ما حدث في بولعلام، لا يجعلنا، كما قال محمود دوريش “نتساءل عن الوطن، لأننا نعرف الوطن، ولكننا نتساءل عن الدولة”.. هذه الدولة التي من وظائفها الأساسية صون حفنة من الكرامة لهذا الكائن، من خلال توفير السبل التي تكفل به عدم مد اليد.. السبل التي تكفل له الحد الأدنى من القدرات الذاتية لتدبير أمره.. السبل التي صرف حياته في ظروف لا تخدش الحياة كثيرا، أما عيشها، فذلك حلم لا يأتيه حتى في المنام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليد العليا اليد العليا



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca