تلفزة رمضان: كل نفس ذائقة الموت

الدار البيضاء اليوم  -

تلفزة رمضان كل نفس ذائقة الموت

بقلم - نور الدين مفتاح

أؤكد على ما كتبته في العالم الأزرق من أن برامج رمضان لهذه السنة على قنواتنا المغربية لا تحتاج إلى نقد بقدر ما تحتاج إلى وكيل الملك. إنها جرائم ترتكب في حق الذوق العام والفن كفن عموما، وإذا أخذنا نموذجا  واحدا مثلا وهو سلسلة "الدرب". فيمكن أن نرفع السقف لنقول إنها تحتاج إلى الوكيل العام للملك، ويمكن لجميع ما أطلق عليه اسم فكاهة أو سيتكوم أو غيرهما، من الكاميرا الضاحكة إلى سوحليفة، ومن حي البهجة إلى كبور (حتى هو!)، ومن كاميرا العلالي إلى مشيتي فيها، أن يتابع بالضحك على الذقون والاستهتار واستبلاد المغاربة، وتبديد ثروة وطنية لا مادية تسمى الإخراج والتمثيل والتشخيص وحتى القدرة على الترفيه.

والمشكلة أننا إزاء قضية معقدة يختلط فيها المتهمون بالضحايا، فنجد أن فنانين محترمين اقترفوا أفعالا في هذه الأعمال الرمضانية أنزلتهم للحضيض، وآخرين كانوا واعدين ككتاب للسيناريو وسقطوا، ونجوما أصروا على التكرار فابتذلوا، والأسماء لا تعدم من سامية أقريو إلى حسن الفذ ومحمد مفتاح وعزيز الحطاب وطاليس والروخ، واللائحة طويلة. إن جوابهم إذا واجهتهم معروف، وهو أنهم إذا ظلوا ينتظرون الأعمال الراقية فسيموتون جوعا، ولكن الشبع بالانتحار الفني لا يفيد بشيء!

إن هذه القضية المعروضة على أنظار محكمة الرأي العام الموقرّة أبعد بكثير من مجرد كسل إبداعي أو ارتجال أو تواطؤ من أجل مكسب سريع، إنها قضية سياسية بامتياز، ولهذا وجب أن ترتفع إلى هذا المستوى من النقاش. فالممثل أو المخرج أو المنشط (أو بالأحرى المكدر) لا يقرر، وهو ليس في قناة خاصة يملكها أو يتعاقد مع مالكيها الذين يسعون إلى الربح ويخضعون صاغرين لمعادلة "الجمهور عاوز كده"، ولكنهم يدخلون إلى قنوات عمومية من المفروض أن لها فلسفة مختلفة بعيدة عن الربح، أي أنها متحررة من إكراهات المساهمين والتوازنات المالية والمنافسة، فهي موجودة لإعطاء الجمهور ما يجب أن يرتقى به في كل المجالات من الإخبار إلى الترفيه، وحتى الإنتاج غير الجماهيري النوعي لا يجد له مكانا إلا في القنوات العمومية، فلماذا يقبل القائمون على هذه القنوات الاحتكارية أصلا بهذا المسخ وهذه الرداءة التي تتجاوز الحضيض سنة بعد سنة؟

هل هؤلاء الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حول دفاتر التحملات وحاربوا بشراسة من أجل ما أسموه استقلالية قنواتهم هم الذين يجيزون هذه الكوارث المكعبة؟

والغريب أن هناك من ليس له من حجة إلا نسب المشاهدة، وقد قيل إنه إذا كان هذا الإنتاج الرمضاني سيئا فلماذا يشاهده 8 ملايين مغربي كل إفطار؟ وهذا تبرير أقبح من الزلّة، فأنتم لا تريدون فقط تعذيب الناس ولكن تخييرهم بين أمرين الثاني أسوأ من الأول، فإما أن تستهلك رداءة بلادك وتحمد الله على الموجود، أو أن تهاجر تلفزيونيا ساعة الإفطار. ولماذا سيهاجر هذا المواطن وهو يؤدي رسوم التلفزة قسريّا مع فاتورة الكهرباء؟ وهل هناك مناسبة نستطيع فيها جمع ثلاثين مليون مغربي في ساعة واحدة بالمنزل أمام جهاز التلفاز في السنة خارج رمضان؟ وبالتالي فنسبة المشاهدة ليست اختيارية، ولكنها شبه إجبارية لنصف المغاربة على الأقل، وهؤلاء يستحقون الاحترام والتقدير والاعتبار لا الاستبلاد والتحقير والاستهزاء.

لقد كانت التلفزة الأولى والثانية وما جاورهما تتثاءب منذ سنوات، واستمرت الحالة في انحدار وصل إلى أوجه، لأسباب سياسية، عندما جاءت حكومة الإسلاميين، وعشنا سنوات من برامج عنوانها الإعادات القاسية، ثم اختفت البرامج الحوارية إلا واحدا أو اثنين، ثم اختفت المواضيع الآنية، واختفى الضيوف المهمون، ثم غرقت النشرات الإخبارية، وبدأنا نحن إلى عهد مضى كنا ننتقده، ثم بدأوا يتحدثون عن أزمة مالية خانقة في هذه المؤسسات التي كانت تنتج أحسن بكلفة أقل، فإذا بها تنتج الأردأ بأرقام فلكية أوصلت القطب المتجمد العمومي إلى حافة الإفلاس، رغم مساهمات المواطنين القسرية ورغم الاعتمادات من الميزانية، ورغم مداخيل الإعلانات التجارية، ورغم إطلاق يد المسؤولين في ما اعتبروه خطّاً تحريريا لجلب ملايين المشاهدين من أجل جلب المستشهرين، والنتيجة هي أنه لا هم حققوا التوازنات المالية، ولا هم حققوا رضا الجمهور، ولا هم قدموا الخدمة العمومية، وها نحن أمام انهيار الإعلام العمومي الذي أصبح بكلمة بلا تأثير.

إننا في زمن التحول في الاحتجاج الشعبي والثورة في أساليب التواصل الجماهيري مازلنا نعيش في قنوات القطب العمومي زمن الحرب الباردة، وقنوات البروباغندا، مع اختلاف بسيط هو أن الدعاية بدورها فن له مبدعوه، ونحن نسوق لرداءة لا ترقى حتى إلى فن الدعاية، ولهذا أصبحت التلفزة التي يؤدي ثمنها المغاربة منشطة للسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، ومساهمة في رفع زبناء أطباء مرضى السكري وارتفاع الضغط الدموي، وعاكسة لصورة مشوهة لا تشبه بالإطلاق المغاربة رغم كل نقاط ضعفهم وتعثراتهم، إن هذه التلفزة بكل ما اقترفت وتقترف لا تستحق إلا المقاطعة، فحرروا الإعلام البصري رجاء لأن عهد الحجر في الاتصال قد ولّى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلفزة رمضان كل نفس ذائقة الموت تلفزة رمضان كل نفس ذائقة الموت



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:19 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 12:52 2013 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

هل الدكتور دكتور والمهندس بالفعل مهندس؟

GMT 00:29 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مشاحنات في جنازة سعيد بونعيلات بين عائلته ورفاقه

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 05:23 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات فساتين للمحجبات من أسبوع الموضة في نيويورك

GMT 22:09 2015 الثلاثاء ,17 شباط / فبراير

افتتاح فرع جديد من "المطعم البلدي" في مراكش

GMT 02:51 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

شاب هندي يعاني من مرض الشيخوخة المبكرة

GMT 23:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل "اجتماع الأزمة" بين أبرشان ولاعبي اتحاد طنجة

GMT 20:35 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تطورات جديدة في قضية لطيفة رأفت ضد رئيس الوزراء المغربي

GMT 09:16 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بلاك شاينا أنيقة خلال توزيع جوائز "BET Hip Hop"

GMT 08:03 2018 الإثنين ,14 أيار / مايو

طرق وخطوات تطبيق "الأيلاينر الأومبري"

GMT 17:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تدريبات خاصة ليوسف القديوي لاستعادة لياقته البدنية

GMT 22:47 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

حلم كأس العالم يعود يا إماراتيون

GMT 17:10 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فجر السعيد تضع حدا للخلاف مع الفنانة الإماراتية أحلام

GMT 03:22 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام البورقادي وصيفة لبطلة العالم في الكيك بوكسينغ

GMT 00:45 2017 الأحد ,24 أيلول / سبتمبر

ياسر المصري يوضح أن شخصية الزعيم ثرية جدا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca