مائة جلدة!

الدار البيضاء اليوم  -

مائة جلدة

بقلم : رشيد مشقاقة

عندما شاهدت ذلك الفنان المهرج يستعرض عضلاته بالشارع الكبير، خطرت ببالي حكاية الحاوي الذي أُعجب الخليفة بعرضه السحري فجازاه عنه بكيس من النقود، ثم أمر السجان بضربه مائة جلدة بالسياط قائلا له: “أنتَ أمتعتنا بفنك، لكنك أضعت وقتنا في ما لا فائدة منه، لذلك أعاقبك”.
وتذكرت الفقيه الراحل مصطفى النجار ونحن نردد معه في الصباح الباكر أُمهات القصائد وأجمل النصوص الأدبية، وكان يعتبر ذلك فترة تربص وإحماء تنعش العقل وتصنع الموهبة بدل الركض بين الأزقة والشوارع دونَ درس ولا تحصيل، وعلى منواله كان الفقيه محمد المريني يكرر على مسامعنا: “لا تضيعوا الوقت في الفراغ، اجتهدوا قبل اللهو لا بعده”.
في عقاب الخليفة للحاوي درس مفيد، هو يدق ناقوس خطر استشراء التفاهة، فلو عاش إلى زمننا هذا، وعاين درجات السأم والملل والإحباط بدل الإمتاع والمؤانسة في كل ما يحيط بنا، لابتكر عقوبات بديلة أشد بدل مائة جلدة.
فنحن نلهو بجد، يتصدر المشهد في حياتنا التافهون: رياضيون وممثلون وزاعقون ذكورا وإناث فشلوا في مشوارهم الدراسي كسالى مشاغبين مطرودين من الصف الأخير للفصل، ونجحوا في التهريج والنط والتسلق والضرب والرفس. فأغدقنا عليهم بسخاء ولازال العين فياضا!!
خلت الخزانات العلمية من مرتاديها، وامتلأت النوادي والفنادق والمقاهي الأدبية بأشباه المثقفين، واجتهدت الأيادي القَذرة في إنتاج التفاهة والمجون إخراجا وتمثيلا وتوزيعا بداعي حرية الفن ونشر الثقافة!
فلم يخجل العراة والمسترجلون والسكارى من أنفسهم وهم وهن يملؤون الشاشة صخبا وضجيجا وسفاهة!
نحن دفعنا بالثُقاة إلى الهامش دفعا، فاتعظت الناشئة من الاقتداء بهم خوفا من سوء العاقبة، فمعالم طريق النجاح ليست بأيديهم!!
عندما أرى ممثلا يتهجى الحروف أمام زملائه، وشيطانا يعظ الناس، ومجتمعا مدنيا من التافهين، وإعلاما مزيفا مكتوبا ومرئيا ومسموعا، وعجلة غير مأمونة في كل شيء، وأرى النبهاء صامتين.
أَتذكر رواية “ثرثرة فوقَ النيل” للأديب نجيب محفوظ، فأبطالها النابهون تأكدوا أن البلاد تسير بدونهم، وفي غنى عنهم فآثروا الانزواء!!
لم يبخس الخليفة حقوق الحاوِي، جازاه وعاقبه، حُوَّاتُنَا نحن يستحقون فقط العقاب، ولا تكفيهم فقط، مائة جلدة!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مائة جلدة مائة جلدة



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca