شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

الدار البيضاء اليوم  -

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت

بقلم : رشيد مشقاقة

العبارة التي أضحكت الناس في مسرحية عادل إمام “مدرسة المشاغبين”، لم تعد تُثير الغرابة، فنحن نرى الميتين فعلا، لا يختلفون عمن أسلموا الروح سوى في احتفاظهم بصفة الكائن الحي! وعدم إعلان جنازتهم كالمعتاد!

نحن نرى من ماتت عقولهم يخبطون خبط عشواء، ويتلذذون بجهلهم مرددين مع المتنبي:

                                  ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

                                               وأخو الجهالة في الشقاوة َينْعَمُ

ونرى من ماتت ضمائرهم، فآثروا نَزَواتِهِم وداسوا على ضعاف البشر، مرددين مع جُونْ بُول سَارتر: “أنا وحدي وعلى المجتمع السلام”!

ونرى أيضا من ماتت مبادئهم، وخرجوا من جُبَّة الكلمات الفضفاضة ولغة الخشب، وقالوا مع خليل مطران:

                                  أَنَا الأَسَدُ البَاكِي أَنَا جَبَل الأسَى

                                            أَنَا الرّمْسُ يَمْشِي دَامِياً فَوْقَ أَرْمَاسِي

الموتى بلا قبور يَتَوَسَّطُونَ الرُّكْحَ، هم يقولون مع عادل إمام “شُفْتِنَا وَنَحْنُ مَيِّتُون، بِنْجَنِّنْ وَنَحْنُ مَيِّتُونْ”، ونحن أيضا نَعُدُّهم في خانات الموتى، أَو الكائنات الحَيّة التي تتحرك بلا حِسٍّ ولا عَقل ولاَ ضمير، أو الآلات التي تتحكم فيها الأزرار مثل “الرُّوبُو” تُوَجّهُهَا حَيْثُ شَاءَت!

هي أيضا هانئة سعيدة بهذا الدور الاحتياطي الذي جَعَلتْه أساسيا في حياتها، وقد وَضَعَت على وجهها قِنَاعا وَوَظَّفَت مِذياعا ينطق بالحكمة والبصيرة والهدى والصلاح قولا وَتَمْثِيلا، في ما يُخْفِي نقائض تلك الخِصال فعلا وعملا!

نحن أيضا نرى هذه الفئة مَيتة على مرحلتين، ميتة وهي بيننا تتحرك وتجري جري الوحوش حفاظا على مصالحها، ولا يضيرها أن تتلون كالحرباء أو قَوْس قزح في سبيلها. ولا يحظى بِثِقتها سوى البسطاء أو المتهافتين، وهي ميتة بعد أن تلبي نداء ربها، فلا يكاد يَذْكُرُهَا أحد، فقد استعملت النّاس لمّا كان بها رَمَق من الحياة!

واستعملوها هم أيضا لتحقيق مآربهم، فلما انتهت الصلاحية والمصلحة لم يعد لها ذكر، وهي متى كتب الله لها الحياة وعادت من قبرها خُفيَة لاَكْتَشَفَت أن من كان يبادلها الولاء والاحترام والانبطاح، نجح في حرب الرِّدة عليها وعانق ميتا آخر يقول لها “شُفْتِنِي وَأَنَا مَيت”!

أما الأحياء الخالدون فهم الأولى، إذ لازالوا محتفظين بعقولهم وضمائرهم ومبادئهم ومشاعرهم، مهما بلغ السَّيْلُ الزُّبَى، يظلون مستمسكين بحبل الثبات والاستقرار!

وهم أيضا العلماء والأدباء والمفكرون ورجال الإصلاح، الذين ما تنفك أسماؤهم تَرِدُ على أَلسنتنا، وأفكارهم تكتسح عقولنا وأشعارهم وأحاسيسهم تتنفس بيننا عبيراً نقيا صادقا!

هؤلاء لا يقولون “شُفْتِنَا وَنَحْنُ أَمْوَاتْ” لأنهم أحياء بأجسادهم وعقولهم ماداموا بيننا، وأحياء بعقولهم فقط، متى غادروا الدنيا!

يقول عادل إمام للفنانة القديرة سهير البابلي: “شُفْتِنِي وَأنَا مَيِّتْ”

ترد عليه ضاحكة:

ـ “أَيْوَ شُفْتَكَ”

فيعقب: “بَجَنِّنْ وَأنَا مَيتْ”

وَنَقُولُ نَحْنُ لِهَؤُلاَءْ: “إنا لله وإنا إليه راجعون !”

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

GMT 05:42 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الصَّرْدي مفخرة وطنية!

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 19:30 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تحمل إليك الأيام المقبلة تأثيرات ثقيلة

GMT 19:58 2018 السبت ,28 إبريل / نيسان

امحمد فاخر يفرض شروطه على الأيوبي

GMT 12:52 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تحدي جديد يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي بعد رقصة "كيكي"

GMT 13:39 2018 الأحد ,23 أيلول / سبتمبر

الكشف عن جنس مولود الفنانة نانسي عجرم الجديد

GMT 16:55 2018 الخميس ,02 آب / أغسطس

"فن ترجمة الشعر" محاضرة في فنون أبها

GMT 18:00 2012 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

علماء فرنسيون يكتشفون علاقة النباتات بالجاذبية الأرضية

GMT 18:12 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

دينا الشربيني تحل ضيفة على "تعشب شاي" الإثنين

GMT 07:54 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة تحافظ على شباب المخ وتعزّز التركيز وتقاوم ألزهايمر

GMT 07:37 2016 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة الجزائرية تكشف زيادة أسعار شراء مساكن البيع بالإيجار

GMT 20:33 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

صدور كتاب "الجبل العميق" لإجي تملكران عن دار صفصافة

GMT 18:45 2016 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أحمد السيسي يغني "دار يادار" في ذا فويس كيدز

GMT 00:11 2016 الجمعة ,22 تموز / يوليو

يوميات حامل بين مواقف مضحكة وأخرى محرجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca