مصائب قوم عند قوم جوائز!

الدار البيضاء اليوم  -

مصائب قوم عند قوم جوائز

بقلم : جمال بودومة

بين شتنبر وأكتوبر يلتقي الجمهور السينمائي في فرنسا والمغرب مع فيلمين جديدين يستحقان وقفة استثنائية: “صوفيا” للمخرجة الشابة مريم بنمبارك و”وليلي” للمبدع فوزي بن السعيدي. الفيلم الأول استُقبل بالتهليل والمقالات والجوائز في بلاد “كنال پلوس”، رغم أن قيمته الفنية متوسطة، والثاني تحدث عنه الإعلام الفرنسي باحتشام كبير رغم أنه مدهش من حيث لغته السينمائية وبناؤه الدرامي وحبكته الفنية ورسالته السياسية… واضح أن “للإعلام أسبابه التي لا يعرفها الإبداع” عند ورثة بلاز باسكال!

“وليلي” يحكي قصة حب بين عبدالقادر (محسن مالزي)، الذي يعمل حارسا في مركب تجاري، ومليكة (نادية كوندا) التي تشتغل خادمة في بيت سيدة ثرية. البطل الحقيقي للفيلم هو “القهر”، الذي يلتقط له فوزي السعيدي بورتريهات من كل الزوايا، في بلد مسخته العولمة وصادرت خيراته حفنة من البورجوازيين. الأغنياء لا يترددون في دعس الفقراء كما تُدعس الحشرات. لا أفق لأبناء الشعب، غير الاستعباد والسحق والاحتقار. المخرج يصور شخصياته البسيطة بكثير من التعاطف، فيما يلتقط ملامح الشخصيات الميسورة من بعيد، كأنه يخشى الاقتراب. ابن السعيدي ينحاز إلى الفقراء بلا هوادة، لأن السينما عنده موقف قبل كل شيء. عندما يأخذنا في مشاهد مطولة لعبدالقادر وهو يرصد تحركات غريمه في فيلته الفخمة بحي “لاسياندا” في مكناس، نفكر أن ساعة الانتقام دقت. نتخيل المصائر المُحتملة لهذا الظالم، ننتظر طويلا… لكننا لا نرى في النهاية إلا فقراء يُطحنون. هناك كثير من الحب في “وليلي”: أغنياء يحبون بعضهم البعض بكثير من القسوة، وفقراء يعشقون بغير قليل من العنف، لكنه حب أفقي، لا يصعد ولا ينزل. المشاعر التي يكنها صديق عبدالقادر لإحدى الميسورات تتشتت وتسيل مع دمه على الرصيف. الغني لا يمكن أن يحب الفقير. الفقير ينسى أحيانا ويعتقد أنه صار صديقا للغني، لكن الأخير سرعان ما يذكره بحقارته، مثلما تفعل لالة (نزهة رحيل) مع خادمتها مليكة.


 
“صوفيا” يعالج موضوعا مستهلكا في الدراما المغربية: الحمل خارج الزواج. عشرات المسلسلات والمسرحيات والأفلام القصيرة والمتوسطة والطويلة تطرقت إلى مأساة الأمهات العازبات. أهم شيء في الشريط الأول لمريم بنمبارك أن الحبكة تكسر أفق الانتظار. الرسالة أكثر تعقيدا مما كنّا نظن. ليست المرأة وحدها الضحية في المجتمع الذكوري، بل الرجل أيضا. حبكة موفقة، جعلت بنمبارك تفوز بجائزة السيناريو في مهرجاني “كان” (مسابقة “نظرة ما”) و”آنگوليم”. لكن فرنسا بالغت في الاحتفال بالشريط، بسبب الموضوع على الأرجح، وبفضل نفوذ شركة التوزيع التي تكفلت بتسويقه في الأوساط الإعلامية والسينمائية. ولا يسعنا إلا أن نهنئ المخرجة. رغم أن هناك مشكلة جوهرية في “صوفيا”: الكاستيغ غير موفق. نعتقد أن البطلة مجرد خادمة لدى أسرتها وليست بنتهم، دون أي مبرر درامي. رغم أن الأداء الفردي لكل واحد منهم لا غبار عليه، فإن “الكيمياء” العائلية غير موجودة، بين الأم (نادية نيازي) والأب (فوزي بن السعيدي) وبين صوفيا (مها علمي)، التي يفترض أنها بنتهما. من الصعب ألا تفكر في فيلم “قضية عائلية”، للياباني هيروكازو كوريدا (السعفة الذهبية في “كان” 2018)، الذي بنى حبكته الدرامية على هذه الكيمياء العائلية، وأنت تراها تتحول في “صوفيا” إلى مجرد خلل فادح في اختيار الممثلين!

بعيدا عن “صوفيا” و”وليلي”، أو قريبا منهما، الطريقة التي تتعامل بها وسائل الإعلام الغربية مع الإبداعات العربية والأجنبية تصيب بالاحباط. هناك أعمال فنية عالية الجودة لا تخصص لها الجرائد المعروفة حتى سطرين في صفحاتها الثقافية، وثمة إنتاجات متوسطة القيمة، وضعيفة أحيانا، تستقبل بحفاوة بالغة. من يتابع المشهد الإعلامي الغربي عن كثب، يعرف أن العوامل التي تدفع بعمل فني أجنبي إلى الواجهة ليست إبداعية دائماً. كثير من الكتب والأفلام تقدم في الإعلام الغربي كتحف فنية، رغم أن مستواها الإبداعي متواضع، فيما تلاقي أخرى التهميش والإهمال رغم قيمتها الرفيعة. يكفي أن تتوفق في اختيار الموضوع المناسب في الظرفية المناسبة، وأن تعثر على الناشر الحاذق والموزع النافذ، كي تجد نفسك تحت الأضواء، محفوفا بالكاميرات والمقالات والجوائز. نحن في عصر انتصر فيه التسويق على الإبداع بالضربة القاضية!

الإعلام الغربي يحب أن يرى ويسمع ويقرأ ما يشتهي، لذلك يسلط الضوء على الأعمال والأقلام التي توافق هواه. كمال دَاوُدَ كاتب بأسلوب استثنائي، لكن جريدة “لوپوان” ما كانت لتعطيه صفحتها الأخيرة كل أسبوع لو لم يكن يشتم أردوغان ويدافع عن الأكراد وينتقد اللغة العربية. روايات ليلى السليماني جميلة، لكنها ما كانت لتحصل على أكبر تتويج أدبي في فرنسا لو لم تكن امرأة شابة من المغرب، تطرق مواضيع تتوافق مع هوى المرحلة، ولولا وجود كاتب اسمه الطاهر بن جلون في أكاديمية گونكور. ويكفي أن تقرأ “بوابات أرض العدم” و”نيران متقاطعة” في أصلهما العربي، كي تتأكد أن سمر يزبك كاتبة سورية عادية جدا، مع ذلك وجدت من يشبّهها بجورج أورويل في كبريات الصحف الفرنسية، فقط لأنها امرأة هاربة من الحرب وتكتب عن المأساة السورية،  حتى إن الكاتب عبد وازن سجل استغرابه في مقال بليغ تحت عنوان: (نعمة “اللعنة” السورية)…  خلاصة الحديث: “مصائب قوم عند قوم جوائز”!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصائب قوم عند قوم جوائز مصائب قوم عند قوم جوائز



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca