إيران السوفياتية... ما العمل؟

الدار البيضاء اليوم  -

إيران السوفياتية ما العمل

بقلم - مصطفى فحص

بلغت طهران في استنساخها للتجربة السوفياتية درجة عالية من التشابه، فمنذ بداية القرن الحالي اعتمدت تطبيق المنهجية التي وضعها السوفيات في مرحلة صعودهم في سبيل تحقيق نفوذهم الخارجي، ولكن إصرارها على إهمال الداخل لصالح الخارج سيؤدي بها الآن إلى تكرار الأخطاء ذاتها التي أودت بالاتحاد السوفياتي إلى السقوط. فطهران التي تقع على مسافة مرمى حجر من موسكو، لم يلتفت أصحاب القرار فيها إلى ضرورة إعادة قراءة التجربة السوفياتية برُمتها، مع العلم أن المرشد الإيراني السيد علي خامنئي من المطلعين بعمق على الأدب الروسي - السوفياتي، ومن المدافعين أيضا عن البعد الجيوستراتيجي للثورة الإيرانية المحكوم بعلاقة ثابتة بالجار الروسي بمعزل عن هويته العقائدية أو السياسية. وعلى الرغم من تحذير بعض من يمكن وصفهم بالحريصين على الدولة والثورة في إيران من وقوع النظام في الفخ المعيشي والثقافي الذي وقع فيه القادة السوفيات مع مجتمعاتهم، يُصر نظام طهران وخصوصاً الأجهزة التي يسيطر عليها الحرس القديم الذي بات لديه نفوذ مشابه تماما لنفوذ أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي المعروف بـ(الباليتبيرو) على المكابرة وعدم الانشغال الجدي في معالجة الواقع والوقائع التي تمر بها إيران، وتحميل المواطن الإيراني أعباء مشاريع التوسع الخارجية المكلفة، التي تستدعي زيادة الإنفاق العسكري التي تؤثر مباشرة على معدلات النمو. فنشوة الاستقواء الروسي التي برزت في سبعينات القرن الماضي والتي اعتمدت على قاعدة التفوق الجغرافي السوفياتي والصواريخ العابرة للقارات وغزو الفضاء، قد وصلت عدواها إلى القادة الإيرانيين المؤمنين بعقيدة التفوق الإيراني، المبني على ما يعتبرونه استثناء إيرانياً متعدد الجوانب والأبعاد، يتشكل من المكان الذي يعطي إيران تمايزاً جغرافياً لعب دوراً تاريخياً في تشكيل أنظمة الحكم التي مرت على السلطة في إيران، وحمى ارتباطها العقائدي الذي شكل دائما عامل الوحدة الأساسي بين سكان الهضبة الإيرانية، والذي ينعكس تأثيره ودوره الآن على وحدة المجتمع وتعاضد الدولة واستمرار الثورة. إلا أن الاحتجاجات الأخيرة كشفت أن البعد العقائدي الذي تبناه نظام الجمهورية الإسلامية بعد ثورة 1979 لم يعد عامل التماسك الأقوى بين المكونات الإيرانية التي وحدها الجوع، وأجمعت شعاراتها على المطالبة بالحرية والتعددية السياسية، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا واضحا على أن المجتمع الإيراني قد تجاوز الخطاب العقائدي والثقافي لنظامه وبات يبحث عن عوامل جديدة لوحدته خارج الطروحات الشمولية التي ثبت فشلها، خصوصا في مرحلة فقَدَ فيها العامل المذهبي بريقه بعدما كان لعدة عقود يمثل العمود الفقري لتماسك الدولة بكافة مؤسساتها والمجتمع الإيراني بمختلف مكوناته.
هذا المعطى الاجتماعي الجديد في إيران يعيد إلى الأذهان مشهد التفكك السوفياتي نتيجة فشل الحزب الشيوعي الحاكم في بلورة طرح عقائدي جديد يكون بديلا عن طروحاته الآيديولوجية السابقة، التي أخفقت في إنتاج مجتمع سوفياتي حاول الزعيم السوفياتي يوري اندروبوف الترويج له في تقرير اللجنة المركزية سنة 1982 عندما تحدث عن الاتحاد الطوعي لشعوب الاتحاد السوفياتي، واعتبارهم جميعا شعبا سوفياتيا، وبعد عدة سنوات ونتيجة ضعف الدولة المركزية، ظهر التباين الحاد بين القوميات في الاتحاد السوفياتي وأخذ طابعا طبقيا ما أدى إلى بروز المسألة القومية التي كانت أحد أبرز عوامل تفكك الاتحاد السوفياتي، كما لم تنجح البرامج الإصلاحية التي أطلقها آخر رئيس سوفياتي ميخائيل غروباتشوف والمعروفة بالغلاسنوست (الشفافية) والبروستوريكا (إعادة البناء) في منع انهيار المنظومة السوفياتية وفشل التجربة الاشتراكية بنسختها السوفياتية. وفي حالة التشابه الإيرانية فإن انتفاضة الجياع الأخيرة كشفت فشل التجربة الدينية في السلطة وفي إدارة الدولة والمجتمع، وساعد الاتساع الأفقي لحركة الاحتجاجات على إظهار حالة التورم في وضع القوميات نتيجة تراكم الإحباط جرّاء سياسة التمييز القومي والديني التي يمارسها النظام، الأمر الذي ينذر بمرحلة تصدع داخل المجتمع من المحتمل أن تصل إلى دعوات علنية للانفصال في حال فشلت الدولة في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشفافية بعيدا عن الانحياز القومي أو المذهبي، فالمجتمع الإيراني بحاجة إلى طرح مشروع تغييري على غرار مشروع الشفافية السوفياتي (الغلاسنوست) في سبيل تقليص سيطرة الحرس الثوري على مؤسسات الدولة ورفع مستوى الحريات والمشاركة في صنع القرار.
في مشهد التشابه والتشابك في الحالتين السوفياتية والإيرانية، فقد أدى حجم الإنفاق السوفياتي الهائل على التسلح وعلى المنظمة الاشتراكية إلى انخفاض الناتج القومي بشكل مستمر منذ سنة 1985 وإلى ارتفاع حاد في التضخم وصل إلى 12 في المائة، وهو نفس رقم التضخم الحالي في إيران نتيجة مشاريع التسلح والطموحات التوسعية التي باتت تفرض على المجتمع الإيراني الاستعانة بشعار الزعيم السوفياتي لينين ما العمل!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران السوفياتية ما العمل إيران السوفياتية ما العمل



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca