إيران في الوقت القاتل

الدار البيضاء اليوم  -

إيران في الوقت القاتل

بقلم : مصطفى فحص

يراهن النظام الإيراني دائماً على قدراته الذاتية في الخروج من أزماته، وعلى مدى 39 سنة كان اعتماده الأساسي على طبيعته السياسية والعقائدية لتجاوز الأضرار التي تعرض لها جرّاء خوضه مواجهات مباشرة وأخرى غير مباشرة (استراتيجية كانت أو تكتيكية)، والتي حالت دون تخليه عن طابعه الثوري وهاجسه التوسعي.
ففي محطات سياسية واقتصادية صعبة تعرض لها منذ 1979 لجأ النظام إلى معادلة خاصة أطلق عليها تسمية «الصبر الاستراتيجي» ليوفر الوقت الذي يحتاج إليه للتغلب على ما يتعرض له من حصار أو عقوبات، كان الهدف من فرضها على الأغلب التمكن من تهذيب مسلك طهران فقط، لكنها لم تصل يوماً ما إلى طرح فكرة تغيير سلوكها جذرياً، وهو مطلب لا يتساهل النظام في مواجهته نظراً إلى الارتباط البنيوي بين مسلكه وطبيعته، ولأن طبيعته تؤثر في طبعه الذي أثبت على مدى أربعة عقود أنه يغلب تطبعه، فإنه من الصعب التكهن بأن النظام الإيراني بعد الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) وعلى المدى القريب أو المتوسط سيغلب تطبعه على طابعه كنتيجة مباشرة لحزمة العقوبات الثانية، وأنه سيضطر إلى نقاش بعض الجوانب في طابعه، ونتيجة لهذه المعادلة فإن النظام الإيراني يستعد لمرحة طويلة من المقاومة دفاعاً عن وجوده وخياراته، حيث من المرجح أن تتعامل طهران مع تداعيات العقوبات كأنها تحت وطأة حصار اقتصادي هو الأشد منذ تأسيس نظامها الإسلامي، وهذا ما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني في أول ردة فعل له على فرض حزمة العقوبات الثانية إلى القول: «نحن في حالة حرب، ونحن نواجه حرباً اقتصادية. نواجه عدواً متسلطاً. يجب أن نصمد لننتصر»، مضيفاً: «على أميركا أن تعلم أنها لا تستطيع استخدام لغة القوة ضد إيران. نحن على استعداد لمقاومة أي ضغط». وقد بات واضحاً أن الحصار الاقتصادي سيفرض على القيادة الإيرانية طرح معادلة الصبر الاستراتيجي طويل الأمد من جديد، الذي يعتمد في تطبيقها على رؤية مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، الاقتصادية التي يدعو لها دائماً في خطاباته، وهي الاقتصاد المقاوم الذي لا يمانع في تأميم الدولة والمجتمع لصالح نظام ريعي يسيطر على ثروات إيران ويسخّرها في خدمة مشاريعه الداخلية والخارجية.
في مشروع صموده طويل الأمد شبه المستحيل، سيلجأ النظام الإيراني إلى استغلال الثغرات المتاحة في نظام العقوبات الجديدة، والاستفادة القصوى من الهامش الذي وضعته واشنطن للدول الثماني المعفاة مرحلياً من العقوبات على استيراد النفط من إيران، إضافة إلى ما تملكه من أرصدة مالية تبلغ قرابة 100 مليار دولار، وما يمكن تحصيله من عائدات مليون برميل يومياً من النفط ستوفر بعض السيولة التي قد تساعد طهران على الصمود حتى نهاية ولاية الرئيس دونالد ترمب، الذي يواجه امتحان لسياساته الداخلية والخارجية من خلال الانتخابات النصفية للكونغرس بغرفتيه الشيوخ والنواب، حيث تعلق طهران الكثير من آمالها على نتائج هذه الانتخابات، وتراهن إما على خسارة الجمهوريين للأغلبية، وإما حتى على تقليص عدد نوابهم ما يتسبب في انكشاف إدارة البيت الأبيض تشريعياً، ما يؤدي إلى عرقلة بعض قراراتها في السياسة الخارجية، فيما يبقى رهان طهران الأكبر على حصول الحزب الديمقراطي على الأغلبية التشريعية، الذي قد يطالب بإعادة المراجعة لبعض البنود في العقوبات وعرقلة تطبيق بعضها بحجة أنها تضر بالشعب الإيراني وليس النظام، ولا تستبعد طهران رداً ديمقراطياً على الصفعة المعنوية التي قام بها الرئيس ترمب بتمزيق اتفاق استراتيجي أُنجز في عهد رئيس ديمقراطي، اتفاق تعرض لانتقادات شديدة من الجمهوريين وإدارة ترمب التي اعتبر أحد أبرز رموزها المتشددة جون بولتون «أن الإدارة ستفرض عقوبات تتجاوز هذا، لن نرضى ببساطة بمستوى العقوبات التي كانت موجودة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما».
وعليه، فإن الصبر لسنتين هو هدف إيران ما بعد الرابع من نوفمبر في حال حصل الحزب الديمقراطي على الأغلبية في الكونغرس، وأما إذا حصل العكس واحتفظ الحزب الجمهوري بالأغلبية التشريعية، فإن قدرة طهران على الصمود تصبح محدودة، وعلى الأغلب فإن علامات العجز ستبدأ في الظهور في النصف الثاني من السنة المقبلة، بعد أن تكون واشنطن قد قامت بتصفير صادراتها النفطية، وفرضت حصاراً على التعاملات المالية مع البنوك الإيرانية وعزلتها.
في التراث الشعبي لروسيا السوفياتية يقول الروس: «إذا كان الفتى تحت العشرين ولم يصبح يسارياً امتحنْ قلبه، وإذا أصبح فوق الأربعين وبقي يسارياً امتحنْ عقله»، والثورة الإيرانية على مشارف أربعينها حائرة بين ما تريده وبين ما يمكن أن تفعله، وفي سباق مع الوقت قبل شهر فبراير (شباط) المقبل 2019، حيث تقف أمام امتحان العقل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران في الوقت القاتل إيران في الوقت القاتل



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca