العراق... «جدل غير عاجل»

الدار البيضاء اليوم  -

العراق «جدل غير عاجل»

بقلم - مصطفى فحص

بداية الخريف الماضي وفي واحد من مقاهي بيروت، التي ما زال بإمكان روادها ممارسة ما تيسّر لهم من حرية التعبير وإبداء رأيهم في الأحداث التي تجري في بلادهم وفي بلاد الشرق، التي يشخص حالتها الكاتب العراقي سرمد الطائي بأنها مصابة بحمى الانقراض التدريجي على مستوى «الدولة والشعب»، في المقهى بدا هيوا (الناوبرداني) نسبة إلى مسقط رأسه ناوبردان، التي تقع على سفوح جبل «سكران» الفاصل بين إيران والعراق، أكثر يقظة من أغلب المؤيدين لاستقلال كردستان ومن المعارضين له، الذين دفعوا ثمن دفاعهم عما اعتبروه متلازمة «بغداد - كردستان» كضرورة وطنية لبناء عراق يتسع لجميع أبنائه، اضطر هيوا أن يغادر وظيفته الحكومية في بغداد عشية الاستفتاء على الاستقلال، بعد أن فقد منطقه الطريق إلى آذان غُلاة الكرد المغامرين في مستقبل شعبهم، ورفض شركاؤه العرب في بغداد تفهم موقفه. 
في رحلة شقائه الجديدة روى لنا هيوا الساعات التي قضاها على معبر إبراهيم الخليل مع تركيا وطوابير المنتظرين على الحدود، عن قساوة الجندرما التركية ونقاط التفتيش المنتشرة على الطرقات الموصلة إلى مطار ديار بكر، عاد الخروج من كردستان يستغرق أياماً وعادت الذاكرة إلى سنين مضت استرجع فيها صوراً من القسوة والصمت، تلك التي تؤرخ عنف البعث بأبعادها الثلاثة (العربي، التركي والفارسي). في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد وصوله إلى بيروت، عرض عليَّ الكاكا هيوا أن أنضم إلى مجموعة عراقية ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، عرضه كان نصيحة لكي أكون أكثر اطلاعاً على الأحداث العراقية وتفاعلاتها بعد أزمة استقلال كردستان والحرب على «داعش».
الانضمام إلى مجموعة «جدل غير عاجل» فتح نافذة تسللت منها إلى داخل واحدة من أبرز أروقة صناعة الرأي العام الافتراضية، تختزل هذه المجموعة العراق من شماله إلى جنوبه، التماسك الجغرافي بين أعضائها يعوض فشل المكونات العراقية في التعايش فيما بينها، خصوصاً أن وصفة المكونات باتت قابلة للتفكك بعد أن عصفت بها الأحداث ومزقتها، وتحولت فرقتها إلى مصلحة عراقية تحتاجها الوطنية العراقية الصاعدة، التي ظهرت ملامحها على حطام الهزائم الكبرى التي تعرضت لها كل المكونات؛ الكردية - العربية، والسنية - الشيعة، التي ذهبت إلى أقاصي العنف وعادت محطمة تبحث عن رافعة وطنية تنتشلها من قعر التطرف القومي والعقائدي الذي انحدرت إليه في الخمس عشرة سنة الأخيرة.
في «جدل غير عاجل»، يفتح ابن الفاو المنتفض على الموروث العقائدي والمنشغل في تفكيك شيفرة الإسلام السياسي الشيعي من داخله، يفتح الجدل واسعاً عن علاقة الإسلام ودولة التشيع والسياسة، الحوزة والسلطة، ويتقاطع مع شيخ المجموعة وكبيرها الذي علمها الحكمة القادم من ديالى، والذي يعلق على النتائج الأولية للانتخابات في البيئة الشيعية بقوله: «نرى شيئاً من التلاقي الموضوعي والتاريخي بين الشيعية والوطنية العراقية التقدمية على أساس مبادئ سياسية متقاسمة ربما أقل اجتماعية»، هذه القراءة شجعت شيوعياً من المجموعة على الاعتراف بأن ما حصل عليه الحزب الشيوعي في الانتخابات على يد السيد مقتدى الصدر لم يحصل عليه في زمن قادته التاريخيين، فيما يرى ابن الموصل أن تصويت أبناء مدينته لقائمة رئيس الوزراء هو نتيجة قناعة لدى العراقيين السنة بالعودة إلى كنف الدولة المركزية والتصالح معها، وهو ما شجع أحد الأعضاء وهو من بابل على الاعتراف بأن السنة كانوا أكثر مرونة في اختياراتهم، بينما خضعت البيئات الكردية والشيعية في اختياراتها إلى سطوة القوى المسلحة.
لم يتردد أعضاء هذه المجموعة القادرة على صناعة الرأي العام العراقي والتأثير نسبياً على بعض صناع القرار، في طرح أكثر القضايا السياسية والاجتماعية جدلاً في تاريخ العراق الحديث، من انقلاب 1958 وإعادة تقييم موضوعية للمرحلة الملكية، إلى البعث ومغامراته مروراً بشخصية صدام حسين القيادية، والانتقال إلى الدكتور أحمد الجلبي والأسئلة الحرجة، والتوقف عند كنعان مكية واعتذاره المثير للجدل، وعن إعادة الاعتبار لتجربة برهم صالح وعادل عبد المهدي بعد أن آلمهما ظلم ذوي القربى.
«جدل غير عاجل»، صورة مصغرة عن عراق مثير للاهتمام، يعاد تشكيل أجزاء أساسية منه بعيداً عن عيون الفاسدين والملثمين، تطمح نخبه في الوصول إلى دولة الممكن، وفن الممكن في الحالة العراقية أن تتيح الظروف المقبلة لهذه النخب المتواضعة الجلوس في مقهى الشاهبندر شارع المتنبي لقراءة قصائد شيركو بكاس، وطرح الأسئلة على زميلهم فرانكشتان بغداد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق «جدل غير عاجل» العراق «جدل غير عاجل»



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 19:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 15:15 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

بادر بسرعة إلى استغلال الفرص التي تتاح لك اليوم

GMT 03:55 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

النوري يكشف عن أغنية عالمية تجمعه بالكاميروني سينيي

GMT 19:10 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مدرب الهلال يؤكد أن بنشرقي في قمة تألقه

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجم استيراد اللحوم المستوردة

GMT 07:43 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

فرنسا وتكرار التاريخ الاستعماري

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

ملعب المسيرة الخضراء في أسفي يستفيد من كراسي جديدة

GMT 23:15 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

سواحل كرواتيا تتمتع بمجموعة مميزة من الجزر الجميلة

GMT 20:53 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

نوير يعود من جديد إلى بايرن ميونخ بعد غياب 6أشهر

GMT 04:19 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

تكتيك مثير للإفلات والهرب من الأسود والفهود
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca