العراق ـ لبنان... وحدة المسار والمصير

الدار البيضاء اليوم  -

العراق ـ لبنان وحدة المسار والمصير

بقلم - مصطفى فحص

لم يكن التاسع من أبريل (نيسان) 2003 تاريخاً لسقوط نظام البعث فقط، بل تهاوت معه قواعد السلطة التي حكمت دول شرق المتوسط بعد الحرب العالمية الثانية، قواعد قامت أصلاً على الثوابت السياسية للموروث العثماني، ولكن بعد التاسع من أبريل، لم يعد ممكناً مقاربة التغيير في العراق دون ربطه مع سوريا، فقد واجهت النخب السياسية والفكرية العربية التي تبنت تعويم أنظمة العسكريتاريا العربية سؤالاً وجودياً تجنبته لعقود، هل يمكن لنظام البعث السوري الأقلوي أن يستمر في حكم الشام بعد سقوط حكم البعث العراقي الأقلوي في بغداد؟ وكيف يمكن الرد على قرار إسقاط أنظمة البعث في المنطقة؟

عملياً ظهرت أولى ملامح السقوط هذا في لبنان، عندما استغلت أحزاب المعارضة اللبنانية هذا التغيير لتطالب المجتمع الدولي بالضغط على نظام البعث السوري من أجل سحب جيشه من لبنان، لكن التجربة حتى اليوم تؤكد أن للبعث دائماً رأياً آخر، فخسر لبنان والمعارضة رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، وهو العام الذي انفجرت فيه حرب طائفية بالعراق بعد أن تدفق «الجهاديون» إلى داخله عبر حدوده المشتركة مع بعض من دول الجوار، حيث مرّ البلدان بدورة عنف قاسية تزامنت مع أزمة سياسية عميقة وانقسامات عامودية كادت تطيح بما تبقى من هيكل الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي أدى إلى قناعة صنّاع القرار في المنطقة وفي العالم بربط الاستقرار في لبنان والعراق بتغيير نظام البعث السوري، لسلوكه وتوقفه عن بيع الأمن لجواره في معركة الدفاع عن نفسه.

فعلياً كان الهدف من اغتيال الحريري والاغتيال المبكر للتجربة العراقية بعد البعث، منع الأكثرية السياسية أو الأغلبية الطائفية من الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع التي تفرز تعددية سياسية تساعد في إعادة تشكل الأوطان بعيداً عن الشعارات القومية والعقائدية، التي كان من الممكن أن تصل عدواها إلى دمشق التي انقضّت كأنها تريد الإفلات من فكي كماشة عراقية - لبنانية.

بعد 15 عاماً على سقوط بعث العراق و7 سنوات على ترنح شقيقه السوري، تمكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من إعادة قراءة جزئية لحسابات وحساسيات الشيعية السياسية العراقية، وتعامل مع المستجدات المحيطة ببلاده من منطلق متغير إقليمي يفرض عليه مراعاته دون الانسياق وراء الخطابات التعبوية أو المقايضة بين المكاسب الفردية مقابل إعادة تموضع العراق في مرحلة ما بعد 12 مايو (أيار)، ولكن العراق الذي بدأ يتلمس بعضاً من قوته أصر على خيار الحياد الإيجابي عن صراعات المنطقة، ولكن هذا الحياد، الذي تسميه الحكومة اللبنانية سياسة النأي بالنفس، تحول إلى شعار تتمسك به حكومة الرئيس سعد الحريري ولكنها غير قادرة على فرضه على جميع مكوناتها التي تمارس دوراً سياسياً داخلياً حاسماً، وتتصرف كأنها قوة إقليمية لديها تأثيرها على عدة عواصم عربية؛ ففي الوقت الذي ساعدت فيه الظروف رئيس الوزراء حيدر العبادي في تطويق جماعات «الحشد الشعبي» بدعم من المرجعية الدينية النجفية التي اعتبرت أن مهمة «الحشد» الدفاع عن مقدسات العراق فقط وأن دعوة المرجعية لـ«الجهاد الكفائي» حصرية داخل العراق، حيث يتعرض «الحشد الشعبي» لحملة سياسية مدروسة هدفها تحجيمه سياسياً وتقليص تأثيره في العملية السياسية بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، التي بدورها ستضعف تأثير إيران في خيارات العراقيين الشيعية، يدخل الأب الروحي لكل الحشود الشعبية في مناطق التوسع الإيراني، «حزب الله»، معركة الانتخابات البرلمانية أكثر تماسكاً بوجه خيارات الرئيس الحريري، ويعزز موقعه الإقليمي عبر غطاء من أعلى سلطة في الجمهورية التي لا ترى في تورطه في الحريق السوري خطأ استراتيجياً أو مخالفة للدستور اللبناني، حيث يتعزز الاعتقاد لدى نخب سياسية لبنانية بأن «حزب الله» سيتمكن من تشريع سلاحه رسمياً في حال حصوله على أغلبية مريحة في الانتخابات التشريعية المقبلة.

بين انشغال العراقيين بتحقيق خطوات نوعية للخروج من الهيمنة الإيرانية، واندفاع اللبنانيين نحو مهادنتها لدرجة القبول الضمني بهيمنتها، تتشكل عناوين مواجهة جديدة في المنطقة مرتبطة بمستقبل الصراع على سوريا بعد الضربة الغربية للأسد من جهة، ومن جهة أخرى الحدود التي سوف تسمح فيها طهران لبغداد وبيروت بإعادة تموضعها على مفترق طريق إقليمية ودولية تضر بمصالحها على طول طريقها السريعة الممتدة من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، حيث تحتشد وتحشد القوى العظمى لمنازلة كبرى ستعزز معادلة وحدة المسار والمصير بين العراق ولبنان التي بناءً عليها سيعاد رسم حدود النفوذ الدولي والإقليمي شرق المتوسط، حيث يبقى للحديث صلة...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق ـ لبنان وحدة المسار والمصير العراق ـ لبنان وحدة المسار والمصير



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca