الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار

الدار البيضاء اليوم  -

الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

لم يعد سرّا الرهان الجديد للنظام السوري على انتخابات رئاسيّة يُعاد فيها انتخاب بشّار الأسد رئيسا في ايّار – مايو او حزيران – يونيو المقبل. لا همّ للنظام في هذه الايّام سوى الاعداد لإجراء مثل هذه الانتخابات التي يعتقد انّها السبيل الى تجديد شرعيّة نظام لا شرعيّة له أصلا. كيف يمكن لنظام أقلّوي ذي طبيعة مذهبيّة معروفة منبثق عن انقلاب عسكري ان تكون له شرعيّة ما؟

اجريت الانتخابات الرئاسية السورية، كما تريد ايران، ام لم تجر كما ترغب أوروبا. ليس في الإمكان توقّع أي جديد في هذا البلد في ظلّ بقاء النظام الحالي الذي يرفض اخذ العلم بانّ سوريا التي عرفناها لم تعد قائمة. سوريا التي عرفناها لم تعد قائمة لسبب في غاية البساطة يعود الى التغيير الديموغرافي اوّلا والى وجود البلد تحت خمسة احتلالات ثانيا والى حجم الدمار والتهجير داخل سوريا نفسها والى خارجها ثالثا وليس أخيرا.

هناك الف سبب وسبب للتأكّد من ان سوريا في حاجة الى إعادة تشكيل بموجب صيغة مختلفة في منطقة دخلت كلّها في مخاض عسير. بدأ المخاض مع في العام 2003 مع الاحتلال الأميركي للعراق والخلل الذي حصل على الصعيد الإقليمي. لا تزال تداعيات الزلزال العراقي مستمرّة الى يومنا هذا بعدما سلمّت إدارة بوش الابن العراق على صحن من فضّة الى ايران. سمح ذلك لـ"الجمهورية الإسلامية" بالانطلاق مجدّدا في مشروعها التوسّعي.

يتبيّن يوميّا ان الملك عبدالله الثاني كان مصيبا الى حدّ كبير عندما تحدّث في تشرين الاوّل – أكتوبر 2004 عن "الهلال الشيعي" الممتد من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق. الأكيد ان كلام العاهل الأردني لم يكن وقتذاك موجّها ضدّ الشيعة بمقدار ما كان تحذيرا باكرا من الخطر الإيراني على المشرق العربي كلّه في ضوء سيطرة "الجمهورية الاسلاميّة" التي أسسها آية الله الخميني على بلد في غاية الاهمّية مثل العراق.

لم يأخذ بشّار الأسد علما بما يحدث في المنطقة وبالزلزال العراقي الذي خشي ان يطيحه مع نظامه، خصوصا أنّ وزير الخارجية الأميركي كولن باول حمل اليه بعيد سيطرة الولايات المتحدة على العراق واسقاطها نظام صدّام حسين مطالب محدّدة كان مطلوبا منه التزامها. حاول الأسد الابن حماية نظامه بطريقته العجيبة الغريبة. خاف من الوجود العسكري الأميركي في العراق. كانت لديه في تلك المرحلة خيارات عدّة من بينها الانفتاح على المطالب الأميركية واستكمال مدّ الجسور مع اوروبا وإعادة تموضع سوريا عربيّا والسير في إصلاحات داخليّة وعد بها سابقا وما لبث ان تراجع عنها.

اختار في المقابل ان يكون لصيقا اكثر بايران من منطلق انّها المنتصر الحقيقي في الحرب الأميركية على العراق. في الواقع، كانت "الجمهورية الاسلاميّة" البلد الوحيد في المنطقة الذي شارك على طريقته في الحرب على العراق وذلك بتقديمها تسهيلات الى الاميركيين. كان من نتائج التنسيق بين بشّار الأسد وايران في تلك المرحلة المشاركة لاحقا في عمليات تستهدف الاميركيين في العراق وصولا الى التخلّص من رفيق الحريري في بيروت تمهيدا لانتقال الوصاية على لبنان من سورية – إيرانية الى محض إيرانية. تصرّف بشّار الأسد في تلك المرحلة تصرّف المستغيث بايران.

يعتبر ما وصلت اليه سوريا اليوم نتيجة طبيعية لأخطاء تراكمت منذ اليوم الاوّل لخلافة بشّار والده صيف العام 2000. لا يزال السؤال، المتعلّق بمستقبل سوريا، مطروحا منذ اتخذت العائلة قرارا بتوريث الابن السلطة. فقد تبيّن ان ليس في استطاعة بشّار الاسد الخروج من ظلّ ايران. وهذا ما يفسّر الى حد كبير اصرار "الجمهورية الاسلاميّة" على الانتخابات الرئاسية السورية على الرغم من التحفّظ الروسي الذي تعبّر عنه رغبة موسكو، عبر جهود خجولة. يعمل الكرملين من اجل تأجيل الانتخابات ويبحث في الوقت ذاته عن صفقة ما مع الولايات المتّحدة. يفترض في الصفقة، استنادا الى الحسابات الروسيّة تكريس واقع يتمثّل في ان سوريا منطقة نفوذ روسيّة على المتوسّط. بكلام أوضح، تريد روسيا مكافأة على دور لعبته منذ خريف العام 2015 في منع انهيار النظام العلوي القائم.

ليس مستبعدا تأجيل الانتخابات السورية، وهي انتخابات اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها غير طبيعية. الطبيعي، في حال مثل حال سوريا، الّا تأتي الانتخابات مكافأة على سلسلة من الأخطاء ارتكبها بشّار الأسد منذ العام 2000، وربّما قبل ذلك عندما اصبح والده في العام 1998 غير قادر على ممارسة السلطة كما في الماضي بسبب تدهور وضعه الصحّي.

منذ العام 2000 وصولا الى السنة 2021، دمّرت الاخطاء التي ارتكبها النظام السوري البلد تدميرا كلّيا. ليس معروفا بعد ما الذي دفع بشّار الأسد الى ارتكاب كلّ تلك الأخطاء التي في أساسها اعجابه الشديد بإيران و"حزب الله" وابتعاده في الوقت ذاته عن حوار في العمق مع الإدارة الأميركية ومع الاوربيين ومع دول الخليج العربي التي هبّت منذ البداية الى مساعدته. إنّه بالفعل سؤال محيّر لا جواب منطقيا عنه باستثناء انّ ليس لدى النظام السوري سوى الانغلاق على الذات من جهة وممارسة لعبة تقوم على تجاهل ما يدور في العالم وموازين القوى فيه من جهة اخرى.

الاهمّ من ذلك كلّه، قام النظام السوري في السنوات العشرين الأخيرة على فكرة ان الشعب السوري غير موجود ويمكن الاستغناء عن نصفه في اقلّ تقدير. ما اثبتته الاحداث ان هذا الشعب موجود اكثر من ايّ وقت، على الرغم من كلّ الممارسات التافهة التي اتسم بها سلوك معظم المعارضة. لو لم يكن هذا الشعب موجودا لما دخلت الثورة السورية عامها الحادي عشر ولما كانت المقاومة الشعبيّة للنظام مستمرّة. عاجلا ام آجلا، سيتبيّن انّ الانتخابات أي انتخابات في سوريا وغير سوريا هي لمكافأة الناجح على نجاحاته وليس على اخطائه. لا يمكن للوحشية والقمع والبراميل المتفجرة تحويل الأخطاء الى نجاحات ولا يمكن ان تأتي بشرعية مهمّا طالّ الزمن ومهما فعلت ايران ومهما أظهرت الإدارة الأميركية من حيرة... ومهما كان الدور الروسي في سوريا مخيّبا للآمال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca