شارع حي ونفاق بلا حدود

الدار البيضاء اليوم  -

شارع حي ونفاق بلا حدود

بقلم - توفيق بو عشرين

منذ الساعات الأولى للصباح، حج شيوخ وشباب وأطفال ونساء من كل فج عميق في المغرب إلى الرباط، بعضهم يمشي لأول مرة في شارع محمد الخامس، وبعضهم يشارك لأول مرة في تظاهرة سياسية وطقس احتجاجي، من أجل ماذا؟ من أجل القدس وفلسطين، وضد إسرائيل وأمريكا وترامب، والأنظمة العربية المتقاعسة عن نصرة الفلسطينيين، وعن الدفاع عن القضايا العربية. تصوروا نوع الوعي السياسي الذي يتفتح في هذه الأجواء من الغضب والرفض والإحساس بالمهانة.

مئات الآلاف رفعوا أصواتهم في مسيرة حاشدة بالرباط، يوم أمس، تعبيرا عن الغضب من قرار دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، اعترافا من أكبر قوة في العالم بجريمة احتلال هذه المدينة التي تحتضن رموز الأديان الثلاثة… هل سيسمعهم تاجر العقارات في واشنطن؟ وإذا سمعهم، هل سيراجع نفسه ويسحب مرسومه الرئاسي؟ 

الذين خرجوا بمئات الآلاف في جل العواصم العربية والإسلامية لا يحتجون، فقط، على الإدارة الأمريكية، التي اتخذت قرارا ظالما ومهينا لربع سكان الأرض من المسلمين، بل يحتجون، كذلك، على أنظمتهم الحاكمة، وعلى وزراء خارجيتهم، وعلى دبلوماسيتهم التي لا تعطي أهمية طيلة السنة لهذه القضية المزروعة في عمق المشاعر الإنسانية والقومية والدينية لسكان هذه الجغرافيا.

اجتمع وزراء الخارجية العرب في الأردن فلم يخرجوا بأي قرار مهم، ولا حتى رمزي، مثل سحب السفراء العرب من واشنطن، مؤقتا على الأقل، لإيصال رسالة إلى الأمريكيين مفادها أن 21 بلدا عربيا و50 بلدا إسلاميا تمور غضبا على المعتوه الذي أوصلته أصواتهم إلى البيت الأبيض. بالعكس، سمعنا أصواتا قوية رفعت ضد قرار ترامب جاءت من كندا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الأوروبية، رغم وجود لوبي إسرائيلي قوي في هذه البلدان، في حين أن الأنظمة العربية مازالت ترى أن واشنطن إله يحيي ويميت، يغني ويفقر، يعطي ويمنع، وأن الطريق إلى قلب واشنطن يمر لزاما من تل أبيب.

إن الهوة تكبر، يوما بعد يوم، بين الأنظمة العربية وشعوبها، وبين آمال الناس واختيارات الحكام، بين قضايا الشارع ونهج الحكومات، وهذه الهوة هي التي حركت الربيع العربي قبل ست سنوات، وستحركه في المقبل من الأيام طلبا للتغيير، وطلبا لأنظمة تشبه الشعوب، وحكومات تخضع لإرادة المواطنين، وليس العكس.

ستبقى فلسطين محركا سياسيا وإيديولوجيا وإنسانيا في هذه المنطقة حتى يجد العالم دواء شافيا لهذا الجرح. للأسف، تعصب إسرائيل وتطرف أمريكا ونفاق أوروبا وإهمال العالم خلق، وسيخلق، ردود فعل حادة في العالم العربي والإسلامي، وسيخلق حركات معتدلة وأخرى متطرفة، وكلها ترفع شعار تحرير فلسطين.

الذين هرولوا ويهرولون خلف التطبيع مع إسرائيل عليهم اليوم أن يراجعوا أنفسهم، والذين أسقطوا حق الشعوب في مقاومة المحتل بكل سلاح، عليهم اليوم أن يراجعوا أنفسهم، والذين يستهينون بارتباط المغاربة بالقضايا الإنسانية والقومية والدينية عليهم اليوم أن يراجعوا أنفسهم، والذين قالوا إن الشارع مات، وإن الدبلوماسية اختصاص محفوظ لمن يحكم، عليهم أن يراجعوا أنفسهم. لا توجد اليوم قضية يمكن أن توحد المتدين والعلماني الاشتراكي والليبرالي، الرجل والمرأة، العربي والأمازيغي، مثل قضية فلسطين وعاصمتها القدس. إنها خط أحمر، وعلى الأنظمة والنخب أن تحترمها، ولو نفاقا، إن لم يكن اقتناعا.

الغرب اليوم بتحالفه مع إسرائيل، وهو يعرف أنها دولة عنصرية وكيان احتلال ونظام قائم على الحرب ضد الفلسطينيين سكان الأرض المحتلة.. هذا الغرب يعطي الدليل على أن قيم الحداثة والتقدم والحرية والتسامح والتعايش والسلام… كلها قيم غير قابلة للعولمة، وغير قابلة للصرف في كل مكان من العالم، وهذا أكبر خطر على السلم والاستقرار الدولي، وأكبر محفز على ميلاد حروب حضارية لا تبقي ولا تذر. إن نفاق الغرب هذا هو الذي يغذي آلة تنظيم القاعدة وداعش والسلفية الجهادية، وكل الحركات المتطرفة التي تقول للشعوب العربية والإسلامية إنه ليس هناك من قانون دولي، ولا أمم متحدة، ولا شرعية دولية، ولا قيم إنسانية.. هناك فقط قانون الغاب، قانون الأقوى، قانون الكيل بمكيالين، فلماذا تريدون أن نحمل غصن زيتون في الوقت الذي يحمل الغرب السلاح بكل أنواعه الفتاكة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شارع حي ونفاق بلا حدود شارع حي ونفاق بلا حدود



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca