الصحوة العربية وحدها لا تكفي

الدار البيضاء اليوم  -

الصحوة العربية وحدها لا تكفي

بقلم - ادريس الكنبوري

قرارات جامعة الدولة العربية ليس نهاية المعركة بالنسبة للعرب، هناك تقليد سيء دأبت عليه قمم الجامعة، وهو أن التوصيات بعد أن تصدر ويجف حبرها تتحول إلى وثائق ميتة.

أخيرا تمكن مجلس جامعة الدول العربية من أن يقول كلمة سواء، تقريبا، في الموضوع الإيراني، وتمكن العرب من أن يجتمعوا على أمر واحد يعتبرونه عدوا للأمن القومي العربي وتهديدا للمنطقة العربية. فالاجتماع الذي عقده وزراء الخارجية العرب الأحد الماضي في العاصمة المصرية كسر حاجز الصمت الذي كانت بعض العواصم العربية تعتبره شرط الحد الأدنى في الدبلوماسية الهادئة والسلبية تجاه طهران، وهي الأعراف الدبلوماسية التي اعتبرتها هذه الأخيرة مهادنة لها، وسعت إلى استثمارها سياسيا ودينيا ثم عسكريا.

لم تكن المشكلة في إيران على الإطلاق، بل كانت في الانقسام العربي الذي دعم بطريقة غير مباشرة الصلف الإيراني، ووسط هذا الانقسام توسعت الخيارات الإيرانية واتخذ التشيع أجنحة حلق بها في فضاءات البلدان العربية، حتى أنه وصل إلى المنطقة المغاربية التي عانى فيها المغرب من التطاول الشيعي على الحقل الديني فيه، من خلال دعم أنشطة التشيع والتغلغل في النسيج الديني للمملكة، الأمر الذي قاد عام 2009 إلى غضب رسمي وشعبي دفع الرباط إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في وقت كانت طهران قد بدأت تزحف تدريجيا عبر استفزاز مملكة البحرين في ذلك العام، على خلفية تصريحات للمستشار السابق للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، علي أكبر ناطق نوري، اعتبر فيها أن البحرين جزء من السيادة الإيرانية.

أتذكر أنني في تلك السنة دُعيتُ إلى لقاء على قناة البي بي سي البريطانية في مواجهة المستشار السياسي للرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، أمير موسوي، الذي يعمل اليوم ملحقا ثقافيا بالسفارة الإيرانية في الجزائر، حيث هاجم المغرب والبحرين بشدة، وهاج عندما قلت على الهواء إن ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية تسكنه في العمق نزعة فارسية انبعثت مع الخميني، وبرهنت على أن القضايا الخلافية التي كانت بين إيران والعرب، وعلى رأسها احتلال طنب الكبرى وطنب الصغرى الإماراتيتين، لم يتم حلها بعد إنجاز الثورة الإيرانية، لأنه كان يفترض بثورة تعلن نفسها إسلامية أن يكون أول ما تفعله هو تصفية تركة الماضي مع البلدان الإسلامية بدل تحويلها إلى مكسب والتقدم نحو المزيد من التوسع في المنطقة العربية عبر استخدام الورقة المذهبية.

وتنظر إيران إلى احتلال الجزر الإيرانية عام 1971 ليس بوصفه أمرا ينتمي إلى الماضي، بل باعتباره حلقة في سلسلة ممتدة الحلقات وكجزء من مشروع أوسع في المنطقة العربية، ولم يكن حدث الثورة الإيرانية عام 1979 إلا التجسيد الواقعي للطموح الفارسي الضاربة جذوره في أعماق التاريخ. ولا يحتاج المرء إلى براهين لكي يصل إلى هذه النتيجة، إذ منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي حين تم إنشاء حزب الله في لبنان لكي يكون امتدادا للنفوذ الإيراني في الجسم العربي والحبل على الغارب، إذ عملت مؤسسة ولاية الفقيه على محاولة اختراق سيادة البحرين والكويت، من خلال إنشاء ودعم ما سمي “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين” بقيادة محمد تقي المدرسي الذي حاول، بمساندة مباشرة من المخابرات الإيرانية، تنفيذ انقلاب عسكري في البلاد، لكن البحرين أفشلت المحاولة وتم القضاء على الجبهة ومحاكمة عشرات المتورطين في التخابر مع طهران، حتى وصلنا اليوم إلى أن إيران صار لديها نفوذ في أكثر من نقطة بالمنطقة العربية، بل إنها باتت تدرك أن بعض هذه النقاط ليس محل نقاش مثل العراق وسوريا واليمن، حتى وصل الأمر إلى استعمال الصواريخ لتهديد سلامة بلدان عربية أخرى كما حصل مع السعودية.

بيد أن قرارات جامعة الدولة العربية ليس نهاية المعركة بالنسبة للعرب. هناك تقليد سيء دأبت عليه قمم الجامعة، وهو أن التوصيات بعد أن تصدر ويجف حبرها تتحول إلى وثائق ميتة. لم يعد الزمن يلعب اليوم لصالح الدول العربية، وأي فرصة تضيع تتحول إلى مكسب في رصيد إيران، وإذا تمكن العرب من إعطائها هذه الفرصة الأخيرة فيمكن أن نشهد تطاولا أكبر على الأمن العربي مستقبلا.

اتخذت المملكة العربية السعودية هذه المبادرة بالدعوة إلى الاجتماع الطارئ في القاهرة، وهي لم تفعل ذلك إلا وقد أدركت أن التحرش الإيراني بها لديه أهداف تتجاوز السقف السعودي، لأن الأمن السعودي من الأمن القومي العربي، بل في القلب منه، واستهدافه هو في عمقه استهداف للدول العربية قاطبة. أظهرت قرارات مجلس الجامعة في القاهرة أن العرب باتوا على إدراك بالمخاطر التي تمثلها إيران، ولكن الصحوة وحدها لا تكفي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحوة العربية وحدها لا تكفي الصحوة العربية وحدها لا تكفي



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:52 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على أهرامات متنوّعة قبالة سواحل جزر البهاما

GMT 05:32 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

"جواغوار" تطرح سيارتها طراز E-1965 للبيع 5 حُزيران

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 15:14 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

صعقة كهربائية تودي بحياة عامل بناء ضواحي مراكش

GMT 05:18 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يحددون مكان بداية مرض الزهايمر المدمر في المخ

GMT 05:42 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

سراييفو تعتبر واحدة من أكثر المدن إثارة في أوروبا

GMT 04:34 2018 السبت ,10 شباط / فبراير

عَرْض سيارة إلتون جون موديل 1997 الوحيدة للبيع

GMT 07:41 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تجميع أكبر خريطة قديمة بعد أكثر من 400 عام

GMT 04:41 2014 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

مها أمين تطرح مجموعة جذابة من تصميمات "الكروشيه"

GMT 17:30 2016 الخميس ,29 أيلول / سبتمبر

الهولندي أرين روبن يسعى للبقاء مع "بايرن ميونيخ"

GMT 03:09 2014 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

بريطانية تنجب 4 توائم دون تدخل طبي وبعد انتظار 4 سنوات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca