هل وصل صوت المغرب إلى الجزائر؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل وصل صوت المغرب إلى الجزائر

بقلم - ادريس الكنبوري

مهما كان الرد الجزائري، سواء بالصمت أو بالتعاطي الإيجابي، فإن المغرب يكون قد أبرأ ذمته من المسؤولية عن أزمة ليس هو الطرف الوحيد في صنعها، ورمى بالكرة في الملعب الجزائري للتفكير فيها.

 

لم يكن النداء الذي وجهه العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الدولة الجزائرية، يوم الثلاثاء بمناسبة ذكرى حدث المسيرة الخضراء، من أجل فتح حوار “مباشر وصريح” وتشكيل آلية سياسية مشتركة بين البلدين للحوار والتشاور، مجرد مبادرة معزولة أو رد فعل على وضع سياسي طارئ، بقدر ما هو دعوة لاحقة لدعوات سابقة كان ملك المغرب قد وجهها إلى المسؤولين الجزائريين طوال ما يزيد على عشر سنوات، لاقت كلها صدى من الجانب الآخر، دون أن يدفع ذلك المغرب إلى ترك التفاؤل والتعامل مع الأزمة مع البلد الجار على أنها مرض ميؤوس من علاجه.

ولكن الذي حصل هذه المرة هو نفس ما كان يحصل في المرات السابقة؛ فقد قوبلت الدعوة المغربية بالهجوم من جانب بعض المسؤولين الجزائريين والصحافة المحلية، في ما يبدو أنه هجوم ممنهج يكشف عدم القابلية للإنصات إلى أي صوت قادم من الرباط. وفيما اعتبر البعض أن النداء المغربي إلى تشكيل آلية مشتركة يعكس “تراجع” المغرب عن مواقفه القديمة، قال آخرون إنه يأتي عشية المفاوضات المقبلة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وكأن الجبهة أنشئت قبل أسبوع، ولم تكن هناك منذ السبعينات.

إن هذا هو الغرض الأساسي الأول، بين أغراض أخرى، للعرض الملكي. فهو يهدف إلى إقناع الجزائر بتجاوز المواقف التقليدية لدى الطرفين معا، والبدء من حيث يجب أن يتم البدء، من خلال آلية سياسية يتم الاتفاق حولها وحول مكوناتها وبرنامج عملها ودورية انعقادها. ذلك أن المغرب واع كل الوعي بوجود تلك المواقف التي كانت تتكرر باستمرار منذ عقود، وجلها ذو طابع سيكولوجي أصبح حاجزا صعبا، وهو لا يرفض الاعتراف بها، وإنما يريد أن تصبح جزءا من أجندة الآلية السياسية المقترحة، وإلا لماذا ذلك الاقتراح أصلا إن لم يكن هناك إدراك فعلي لوجود مواقف سلبية يجب الاعتراف بها من أجل تجاوزها؟

لا يوجد عاقل لا يقر بأن الاقتراح المغربي فيه الكثير من الواقعية، أقلها أن العاهل المغربي يعترف بأن هناك خلافات، وأن الحل هو الذهاب إليها بدل الاستمرار في توظيفها بما يزيد في تسميم العلاقات. وهذا الاقتراح الجديد هو في حقيقة الأمر تطوير للمبادرات المغربية السابقة التي ما فتئ العاهل المغربي يقدمها إلى الجانب الجزائري، منذ أن تولى الحكم عام 1999.

فطيلة أكثر من 18 سنة دأب ملك المغرب على توجيه رسائل شخصية إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ينادي فيها بفتح الحدود وحل الخلافات الثنائية، من منطلق أن هناك عهدا جديدا في المغرب يريد أن ينظر إلى المشكلات من زاوية مختلفة، وأن حادث إغلاق الحدود عام 1994 من الجانب الجزائري ينتمي إلى حقبة يُفترض أنها انتهت.

وعندما لم تعد تلك الرسائل الأخوية تعطي نتائج، وأدرك المغرب أن النظام الجزائري يتعامل معها كمجرد بروتوكول دبلوماسي شكلي، انتقل إلى توجيه رسائل سياسية في خطبه الرسمية لكي تتجاوز دائرة الحكم في الجزائر إلى المواطن الجزائري، وكانت أولى تلك الرسائل عام 2011 عندما دعا الملك المغربي في خطاب له إلى فتح الحدود بين البلدين بما يصب في مصلحة الشعبين، ولكن أيضا بدون نتيجة.

لا يوجد شك في أن الأزمة بين البلدين أضرت بهما معا، كما أضرت بالمستقبل الذي كان متوقعا للمنطقة برمتها منذ ميلاد حلم الاتحاد المغاربي في نهاية الثمانينات، ذلك الاتحاد الذي ولد ميتا بالرغم من الاجتماعات البروتوكولية المتقطعة التي ما لبثت أن توقفت سنوات طويلة، قبل أن يتم الإعلان عن الموت النهائي للاتحاد، في خطاب الملك محمد السادس قبل عامين أمام الاتحاد الأفريقي، على هامش عودته إلى العضوية فيه بعد غياب زاد على ثلاثين عاما. وبسبب تلك الأزمة استفحل الإرهاب في المنطقة بسبب عدم التعاون بين بلدين يعدّان الأكبر في منطقة غارقة في الأزمات.

والمنطق الذي صدر عنه اقتراح إنشاء آلية ثنائية مشتركة هو منطق نابع عن واقعية سياسية، مفادها الإقرار بتلك الخلافات وبحثها على مهل وبعقلانية، مع فتح الحدود المغلقة واستئناف العلاقات والتعاون في الحد الأدنى، مع إعطاء الوقت الكافي لتلك الآلية المشتركة من أجل إنضاج الحلول.

والمؤكد أن المغرب أطلق تلك المبادرة من واقع تجربة ملموسة خاضها مع إسبانيا قبل أزيد من عقدين من الزمن، حينما تم الاتفاق على تشكيل لجنة عليا مشتركة لبحث الخلافات الثنائية وملف سبتة ومليلية المحتلتين. وقد غلّب البلَدان في تلك المبادرة جانب المصالح المشتركة التي لا يجب التفريط فيها أو تعليقها على حلول لمشكلات قد لا يتم التوصل إليها، أي الحلول، في زمن قصير.

غير أنه مهما كان الرد الرسمي الجزائري، سواء بالصمت أو بالتعاطي الإيجابي، فإن المغرب يكون قد أبرأ ذمته من المسؤولية عن أزمة ليس هو الطرف الوحيد في صنعها، ورمى بالكرة في الملعب الجزائري للتفكير فيها.

وفي الوقت الذي يتم فيه التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة في الجارة الشقيقة، ويجري النقاش الداخلي حول ولاية خامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أو البحث عن بديل سياسي جديد، سيكون التعاطي الجاد مع المبادرة المغربية خطوة في الاتجاه الصحيح، في إطار حزمة التحولات السياسية الداخلية التي يجب أن تأخذ في عين الاعتبار الوضع الإقليمي وسياسة الجوار.

صحيح أن في البلدين جيلين مختلفين، جيل الستينات والسبعينات الذي يمثله بوتفليقة، والذي يعتبر واحدا من صانعي السياسة الجزائرية الحالية تجاه المغرب منذ كان وزيرا لخارجية هواري بومدين، وفي مقابله جيل الملك محمد السادس الذي لم يكن له دور في صناعة تلك الأحداث، ولكن المصلحة العليا للبلدين كفيلة بحفز الطرفين على التعامل بعيدا عن الحساسيات السياسية التقليدية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل وصل صوت المغرب إلى الجزائر هل وصل صوت المغرب إلى الجزائر



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 08:12 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

أويلرز يفوز على مونتريال في دوري هوكي الجليد

GMT 05:03 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

شخص ملثم أضرم النار داخل مسجد فجر الاربعاء

GMT 17:08 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم" يكشف عن أجر "جون سينا" في" التجربة المكسيكية"

GMT 06:44 2018 الأربعاء ,26 أيلول / سبتمبر

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

GMT 01:14 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مرتجي يؤكد استعداد الأهلي إلى "حدث تاريخي"

GMT 06:21 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

أحلام تهتف باسم الملك وتُغني للراية الحمراء

GMT 20:38 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

"شعبي نايت لايف" حفلة ضخمة للطرب في عيد الفطر
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca