إسلاميو المغرب وأزمة القيم

الدار البيضاء اليوم  -

إسلاميو المغرب وأزمة القيم

بقلم - ادريس الكنبوري

تظهر قضية الصحافي بوعشرين اليوم كاختبار صعب أمام إسلاميي الحزب والحركة، فقد عرّت جميع أوراقهم الأخلاقية التي كانوا يتسترون وراءها

الصحافي توفيق بوعشرين متهم بالفساد الأخلاقي والاغتصاب واستغلال النفوذ
لعل إحدى القضايا الكبرى التي تطرح نفسها عند الحديث عن علاقة الدين بالسياسة لدى الجماعات الإسلامية قضية القيم. عادة ما يتم تهميش هذه القضية رغم أهميتها القصوى، أو على الأقل دمجها في منظومة القيم السياسية، أي القيم المرتبطة بالتدافع السياسي والسلوك الانتخابي والتدبير الحكومي. فالواقع أن الإسلاميين في المجال السياسي يترجمون حالة من الفصام النكد ما بين الخطاب والسلوك السياسي، ويعكسون مستوى متدنّيا في الممارسة الأخلاقية عندما تتصادم القيم الأخلاقية مع المصالح السياسية.

تعتبر القضية الأخلاقية عند الحركات الإسلامية فرعا عن إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة. وعلى عكس ما يفهمه الكثيرون من هذه الإشكالية، فإن المسألة ليست إضفاء طابع أخلاقي نابع من الدين على العمل السياسي، بل تلوين التديّن والممارسة الأخلاقية اليومية بالسياسة، إذ ليس الدين ما يؤثر في السياسة ويمنحها المعنى، بل السياسة هي التي تؤثر في الدين وتنزع المعنى منه.

بنت الحركات الإسلامية مشروعيتها الاجتماعية على ضرورة الربط بين السياسة والممارسة الأخلاقية، وهكذا كانت تنتقد الحياة السياسية وتتّهمها بالخضوع للنزعة المكيافيلية، وتعتبر العمل السياسي عملا منزوع الأخلاق. وطوال عقود ظل الإسلاميون يبشّرون بأسلوب جديد في ممارسة السياسة وتدبير الحكم، ويضخمون من الجانب الأخلاقي في الخطاب الدعوي والسياسي، ويستثمرون أي ظاهرة اجتماعية لكي يهللوا للأخلاق ويرفعوا عقيرتهم بالصياح لأن الأخلاق تم الدوس عليها.

هذا ما لمسناه في المغـرب على سبيل المثال لدى حزب العدالة والتنمية والتنظيم الدعوي التابع له حركة التوحيد والإصلاح. وقد أثار أحمد الريسوني، الرئيس الأسبق للحركة وأحد أتباع يوسف القرضاوي ومقرب من الدوحة وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، غضبا عارما في المغرب هذه الأيام بسبب موقفه من محاكمة أحد الصحافيين المتـابعين في ملف يتعلق بالفساد الأخلاقي والاغتصاب واستغلال النفوذ.

الحركات الإسلامية بنت مشروعيتها الاجتماعية على ضرورة الربط بين السياسة والممارسة الأخلاقية، وهكذا كانت تنتقد الحياة السياسية وتتّهمها بالخضوع للنزعة المكيافيلية

وتعود القضية إلى أسابيع خلت، حين تم اعتقال الصحافي توفيق بوعشرين ناشر يومية “أخبار اليوم” المقربة من حزب العدالة والتنمية، ومحاكمته بناء على أشرطة فيديو وصل عددها إلى خمسين شريطا تظهره في أوضاع مخلّة حسب النيابة العامة.

وعلى الرغم من نشر الصحف المغربية والمواقع الإخبارية مضمون محاضر التحقيقات التي باشرها القضاء المغربي مع المتهم والضحايا، إلا أن حزب العدالة والتنمية ظل مصرّا على الدفاع عن الصحافي حتى دون أن ينتظر كلمة القضاء.

ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير أن الريسوني كتب مقالا الأسبوع الماضي قال فيه إن الصحافي “تعرض للاغتصاب في أمنه وعرضه وحريته وكرامته ومهنته”، مع أن الموقف السليم يتردد بين اختيارين: إما الصمت حتى يبت القضاء في التهم، وإما استنكار حالات الاغتصاب لأن هذا هو الموقف الطبيعي لأي إسلامي يشهد على نفسه بأنه مناصر للأخلاق.

فالريسوني، الذي ينعت لدى أتباع الحزب والحركة بأنه “فقيه مقاصدي”، فضح نفسه بالانتصار للسياسة على الدين. فإسلاميو الحزب والحركة يشعرون بأن اعتقال الصحافي حرمهم من قلم كان يدافع عنهم في الصواب والخطأ، وقـاد بنفسه معركة إعلامية دفاعا عن الولاية الثالثة لعبدالإله بن كيران على رأس الحزب، ولذلك فضلوا الوقوف إلى جانبه دون إيلاء أي اعتبار للأخلاق، وقدموا السياسة على القيم، وأغلقوا آذانهم عن سماع شكاوى الضحايا من الصحافيات، بينما هم لا يترددون في الدعاء بالويل والثبور وعظائم الأمور عندما يتعلق الأمر باتهامات أخلاقية أقل تخص الآخرين.

وتظهر قضية الصحافي بوعشرين اليوم كاختبار صعب أمام إسلاميي الحزب والحركة، فقد عرّت جميع أوراقهم الأخلاقية التي كانوا يتسترون وراءها، وكشفت مكيافيلية على درجة عالية من الإسفاف.

صحيح أن الملف الآن معروض على القضاء، وهناك هيئة دفاع تطعن في تلك الاتهامات، وضحايا يصرحن بوجه مكشوف، وأشرطة فيديو مصورة داخل مقر الصحيفة، ولكن القضية كلها أن الإسلاميين لم يقيموا البينة وسقطوا في تبرير ممارسات غير أخلاقية من دون أن ترفّ جفونهم، وقدموا الدليل العملي على أن قضية الأخلاق لا تهمهم إذا تعارضت مع المصلحة السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسلاميو المغرب وأزمة القيم إسلاميو المغرب وأزمة القيم



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca