"موقف طريف"..

الدار البيضاء اليوم  -

موقف طريف

بقلم - يونس الخراشي

عادة ما يشكل مقر إقامة الصحافي، وهو في مهمة خارجية، حماما وغرفة نوم، ليس إلا. فهو يشتغل أطول وقت ممكن في الخارج، ولا ينتهي من عمله إلا ساعات متأخرة جدا، فيكون الفندق للاستحمام والحصول على قسط من الراحة. وهكذا.

في "غراند أوتيل"، بمركز مدينة القاهرة، وهو الفندق القديم البنيان والجميل، كان المتوقع من تلك الغرف الواسعة ذات السقف العالي، أن تتيح لنا لحظات جيدة للراحة من تعب عمل مضن بشدة، بفعل التنقل إلى أماكن بعيدة، بحثا عن الأخبار والمعطيات.

مع الأسف، فما أن غطى الليل المكان بظلامه، واشتغلت أضواء المدينة، حتى جاءنا النذير. فهنالك ملهى ليلي مباشرة تحت قدم الفندق، يشتغل حتى الصباح، وبأبواق توصل أصواته إلى عنان السماء. فلا راحة إذن، بل سهرات إجبارية.

الطريف في أمر ذلك الملهى الليلي الصغير جدا، ذي الأصوات العالية جدا، أنه صاحبه كان مؤدبا للغاية. فهو ينتظر إلى أن يتم المسجد الذي يقابله، وهو عبارة عن سجادات وضعت في باحة متوسطة، صلاة العشاء، ثم ينطلق بزعيقه.

فما أن يقول الإمام، صاحب الصوت المصري الجميل، السلام عليكم، حتى تبدأ التسخينات، وتنطلق تلك الأغاني الداعرة، تثير غرائز حيارى وسكارى جاؤوا يبحثون عن هروب ليلي من متاعب الحياة، غير عابئين بأي كان، وغير مدركين أن الحياة لا تنتهي متاعبها رغم الملاهي.

لم يعد ممكنا أن نغير المكان، وقد غيرناه أصلا في بداية الأمر. ثم إننا تعودنا على تلك السهرات الإجبارية مع مرور الوقت. بل إنها صارت أشبه بطقوس جديدة لذلك السفر المضني إلى القاهرة من أجل تغطية منافسات كأس إفريقيا للأمم. صارت شيئا من ضمن.

في مرة من المرات قدرت أن هذا الذي يحدث بجانبي يستحق الكتابة عنه. ولم أجد أفضل من تلك الجملة التي قالها الزعيم عادل إمام في واحدة من مسرحياته، وهي "شاهد ما شافشي حاجة"، كي أثير القارئ، وأشده إلى مقالتي، فيحصل المراد، وتبلغ الرسالة.

وبعد يومين، توصلت بمكالمة من رئيس التحرير، يقول لي فيها، وهو يكاد ينفجر ضاحكا، إن المسؤول في السفارة المصرية بالرباط يحتج على ما كتبته. قلت له إن الأمر لا يستحق. قال:"استشهادك بتلك الجملة التي قالها عادل إمام لم يرق له". قلت:"تلك الجملة أضحكت كل المصريين، وبقيت خالدة".

بصدق، لم أقصد شيئا مسيئا. ثم إن ما قاله عادل إمام كان من باب السخرية إزاء واقع معين. وحين قال جملته:"لو كان كل واحد فوقيه رقاصة يعزل، الناس كلها حتبات في الشارع"، فهو عبر، بشكل من الأشكال، عن الوضع الغريب الذي كنا نعيشه. فلو أننا قررنا أن نغير الفندق فقط لأن بجانبه ملهى ليلي، لوجدنا، في المرة المقبلة، فندقا بملهى ليلي داخله، وهكذا.

مر الموقف بسلام. وواصلت عملي اليومي وكتابتي عن الوقائع التي تثيرني، دون أي رقابة كبيرة على ما كانت تجود به قريحتي. غير أنني لم أنم إلا قليلا، بفعل تلك السهرات الضرورية. وليت الأغاني كانت جميلة، وبأصوات طروبة. فلست أدري لم اختار ذلك الملهى مغنيين ومغنيات من الدرجة الأربعين.
إلى اللقاء.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موقف طريف موقف طريف



GMT 10:25 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدفاع في الريادة

GMT 10:22 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

"وشكون عرف؟"..

GMT 15:07 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

"كلمة حق"..

GMT 13:45 2019 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

منتخبات مجنونة

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري

GMT 13:59 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

هجرة "النجوم" شرًا لا بد منه

GMT 04:24 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

السجن 10 سنوات للجهادي المرتبط بمهاجمة "مانشستر أريينا"

GMT 16:31 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

فنانة صاعدة تهدد مخرج مغربي بـ"فيديو إباحي"

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 22:31 2015 الإثنين ,09 آذار/ مارس

الأزرق والأخضر أبرز ألوان المطابخ في 2015
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca