فقدان الشهية السياسية يضعف العالم العربي

الدار البيضاء اليوم  -

فقدان الشهية السياسية يضعف العالم العربي

بقلم: أمين جوطي

يتطلب الطريق إلى الغد المحلي المغربي حلماً جماعياً، وفي الطريق إلى بلوغ الحلم الجماعي هناك منعرجات الطبيعة البشرية، وواقع الجغرافيا ومواردها الطبيعية، وموازين قوى تتفاعل، وثقل ماضٍ وإرثُهُ، وتحديات حاضر ومستقبل، وفي قلب كل هذا هناك عنصر هام جدًا ألا وهو "السياسة".
وبغية إتمام المسيرة، واستمرارية مسار المجتمع البشري، لا بد من السياسة، لتدبير شأن الدولة، وشؤون المواطن، ومع التدبير تبرزُ ممارسات سياسية تتراوح بين الإيجابي والسلبي، بين الصواب والخطأ والخطيئة، بين النظرية المُبتغاة والواقع المعقد وأفضل الممكنات.
والسياسة شأن من المفروض أن يسمو بالنوع البشري، وهي تكون فعلاً كذلك طالما كانت مرتبطة مع الأخلاق، لكنها تنحرف عن ذلك بابتعادها عنها، الذي يبرز أمراضًا سياسية عدة، تصيب الجسد السياسي للمجتمع، من بينها فقدان الشهية السياسية.، و ما أُرِيدُ أن أُطْلِقَ عليها مصطلح "الأنوركسيا السياسية"، فما هي هذه الأنوركسيا السياسية؟
وتعرّف "الأنوركسيا" (Anorexie) على أنها "نقص أو توقف التغذية بسبب فقدان الشهية أو رفض التغذية"، وعلى هذا المنوال يمكن تعريف الأنوركسيا السياسية على أنها "نقص أو توقف التغذية السياسية فكريًا وثقافيًا، نظريًا وعمليًا، بسبب فقدان الشهية للعمل السياسي، أو رفض التغذية المعرفية السياسية".
و"الأنوركسيا السياسية" مرض يبدو متجذرًا في جسد المجتمع السياسي العربي، إذ
يعاني هذا الجسد من نقص حاد في التغذية السياسية، وتنعدم لديه الشهية لتناول الأطعمة الشعاراتيّة، التي أعدت منذ وقت سحيق القدم، ولا الوجبات الانتخابية، التي لم تعد تحتفظ بطراوتها ومذاقها، ولا المأكولات المحترقة للسجالات العقيمة التي تُحَضِّرها المعارضة.
لقد فسد الطعام، وأصبحت نكهته مقرفة، ولن يفيد في شيء إضافة بعض البهارات التسويفية إليه، بل يجب القيام بإعداد وجبات أخرى للشعوب، تكون وصفاتها غنية ببروتينات النموالاقتصادي، وفيتامينات العدالة الاجتماعية، والأملاح المعدنية الديموقراطية، وصفات متكاملة لبناء جسم مجتمعي سليم وقوي.
ولعل فقدان الشهية السياسية هو عرض مرضي لاختلال جهاز الهضم الإدراكي، الذي لم تعد له القدرة على تقبّل أطعمة تم إعدادها في مطبخ بعض الهيئات السياسية، وذلك لما ألحقته بالجسم السياسي من آثار ضارة، تبيّن معها أنَّ تلك الأطعمة قد انتهى تاريخ صلاحيتها، ولم تعد صالحة للاستهلاك السياسي في زمن الحداثة.
لهذه الأنوركسيا السياسية، التي يعاني منها الجسد السياسي العربي، والتي لا يحاول
أولئك الذين يدّعون كونهم "حكماء" السياسة، إيجاد علاج مناسب لها، مضاعفات مرضية عديدة، كفقر الدم السياسي "Anémie politique"، الناجم عن عزوف الكريات الشبابية الحمراء في الأوردة الحزبية والحكومية، كما أنَّ هذا الجسد الأنوركسي معرض للإصابة بترقق العظام، وهو ما يسببه الاستمرار، لمدة طويلة، في تقديم الوصفات الديماغوجية، والشعارات الجوفاء، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إنه لمن باب المستحيل أن ينمو أي جسد سياسي دون برنامج غذائي متوازن فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وهو ما يتطلب تتبع وصفات حوارية، وعلاج فكري – معرفي، يكون غنيًا بالجدل الخلاق.
إن جسدًا سياسيًا أنوركسيًا هو جسد ضعيف وواه، معرض باستمرار لتدخل المبضع الأجنبي، الذي قد يكون دولة، أو متمثلاً في المنظمات الدولية، التي نصبت نفسها كمنظمات للأغذية "الديموقراطية" والزراعة "العولمية"، لتجرب في الجسد السياسي والمجتمعي العربي أدوية وعمليات قسرية، وبهدف قد لا يكون هو العلاج، والتي تكون أثارها وخيمة جدًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فقدان الشهية السياسية يضعف العالم العربي فقدان الشهية السياسية يضعف العالم العربي



GMT 01:00 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 21:38 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 07:46 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 00:19 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

اليمن والحاجة لإعادة إعمار القيم

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 02:52 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على أهرامات متنوّعة قبالة سواحل جزر البهاما

GMT 05:32 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

"جواغوار" تطرح سيارتها طراز E-1965 للبيع 5 حُزيران

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 15:14 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

صعقة كهربائية تودي بحياة عامل بناء ضواحي مراكش

GMT 05:18 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يحددون مكان بداية مرض الزهايمر المدمر في المخ

GMT 05:42 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

سراييفو تعتبر واحدة من أكثر المدن إثارة في أوروبا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca