فرصة نادرة على الدبلوماسية التونسية أن تلتقطها: تونس مرجع للحل الليبي

الدار البيضاء اليوم  -

فرصة نادرة على الدبلوماسية التونسية أن تلتقطها تونس مرجع للحل الليبي

بقلم - محمد بوعود

شكّلت زيارة السيد سامح شكري، وزير الخارجية المصري خلال اليومين الماضيين ولقاءاته مع جميع الأطراف الفاعلة في تونس، فرصة للدبلوماسية التونسية من أجل أن تتبوّأ المكانة التي يجب أن تكون فيها، وهي مكانة المرجعية أو الضامن للحل في ليبيا، خاصة وأن هذه الزيارة تزامنت مع عدة نشاطات تصبّ جميعها في اتجاه جعل الحل الليبي يمرّ حتمًا عبر تونس.

الحدث الأول هو مؤتمر القاهرة لدول الجوار الليبي، الذي انعقد الأسبوع الفارط في مصر، والذي لم يخل بيانه الختامي من إشارة واضحة إلى أن الجميع وعلى رأسهم القاهرة وتونس، معنيون بالحل الليبي، وأن هذين العاصمتين يجب أن تبذلا جهدًا مضاعفًا من أجل حلحلة الوضع الليبي، بما يراعي مصلحة الليبيين، ويضع جانبًا إمكانية العودة إلى مربّع العنف، التي لم تعد قادرة على فرض أي حلّ، من كل الأطراف.

* مبادرة تونسية بدأت تتشكل نحو إيجاد محور ثلاثي، تونسي/مصري، جزائري، يرعى الحلّ في ليبيا، ويجمع كل الفرقاء الليبيين حول طاولة الحوار، ويكون ضمانة للحلول المتفق عليها. وهي مبادرة تجد دعمًا من الجانب المصري والجزائري، وبالتالي تشجّع الطرف التونسي على بلورتها في شكل ورقة مكتوبة تُطرح على الأطراف الليبية من أجل مناقشتها والاتفاق على خطوطها العريضة.

*اجتماع عدد من الفرقاء الليبيين في مدينة الحمامات، واعتمادهم بالخصوص على مبادرات تصدر من دول الجوار الليبي، مع تطلّع خاص لمبادرة تونسية، تكون جامعة لكل الحلول الممكنة، وتراعي مصلحة الليبيين قبل كل شيء.

*الزيارات المتكررة للشيخ راشد الغنوشي للجزائر، كمبعوث للرئيس وممثل لتونس، غير رسمي في هذه المفاوضات والمبادرات التي تُناقش في العواصم المعنية، اعتمادًا على ما يحظى به من علاقات متطوّرة قيل أنه يمتلكها أو يحتفظ بها مع الأطراف الليبية ذات المرجعية الإسلامية، الحاكمة، على الأرض، في طرابلس وفي الغرب الليبي، والتي يعود لها الدور الكبير في تعطيل سائر الاتفاقات التي أبرمت سابقًا، سواء في الصخيرات أو مالطا أو حتى الجزائر وتونس والقاهرة وألمانيا، وبالتالي استغلال عامل تأثير الشيخ راشد الغنوشي في الضغط عليهم من أجل قبول الحلول التي يُتفق عليها.

*تهديدات الفريق خليفة حفتر وتحضيراته لاقتحام طرابلس، والتي تجد دعمًا غير معلن من القاهرة وموسكو، ومعارضة قوية من تونس والجزائر باعتبار ما ستخلّفه من انعكاسات مأساوية على منطقة العاصمة والغرب والليبي، وباعتبار تداعياتها التي قد تشمل دول الجوار وعلى رأسها تونس والجزائر.

*تهديدات تنطلق من بعض العواصم الرافضة للحل التوافقي، والمصرّة على التدخل في الشأن الليبي، كأنقرة التي تحتضن عبد الحكيم بالحاج، والذي لم يتوان الأسبوع الفارط عن إطلاق تهديدات قوية ضد تونس والجزائر من مكتبه التركي الفخم، أو قطر التي تحتضن الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم نوري بوسهمين الذي يصرّ على أن يكون لمؤتمره الوطني المنتهية شرعيته، دورًا رئيسيًا في حكم ليبيا، حتى ولو على حساب الآخرين.

وهي كلها مؤشرات تعود بتونس إلى مربّع الاهتمام الدولي، أو على الأقل المغاربي والعربي، كعاصمة قادرة على اجتراح الحلول، أو هي الأقرب إلى التوفيق بين الأشقاء الليبيين، والخروج بهم من مأزق الاقتتال الداخلي الذي قاد البلاد إلى دمار هائل، ويوشك أن يندلع في جولة أخرى أكثر دموية من سابقاتها. ولا شك أن المسؤولية منوطة اليوم بعُهدة الدبلوماسية التونسية، وكثيرا ما تعللت بعدم التدخّل في الشأن الليبي، أو بعدم مواتاة الظروف الدولية والإقليمية.

وهذه الظروف بدأت تنضج اليوم، بل إن الأشقاء في ليبيا ومصر والجزائر، يهدون الدوّر إلى تونس على طبق من فضّة، وما على طاقم السيد الجهيناوي إلا أن يثبت أنه كفء في مثل هكذا مهمّة، سوف تجعل من البلاد التونسية في صدارة الدول المهتمة بالسلام والراعية للحوار.

صحيح أن الكثيرين يشككون في قدرة الدبلوماسية التونسية، وفي استيعابها لهكذا دور، بالاعتماد خصوصًا على سجلّها الحافل بالنكسات منذ الثورة إلى الآن، لكن ذلك لا يعفي هذه الدبلوماسية من لعب الدور الذي أوكل لها في إيجاد الحل المناسب لإخراج الأشقاء الليبيين من طور الاقتتال إلى طور البحث عن الحلول والتعايش السلمي.

فوزارة السيد خميس الجهيناوي اليوم أمام امتحان تاريخي، إما أن تلتقط اللحظة الراهنة وتبني عليها نجاحات وأمجاد، وإما أن تنكفئ على نفسها إلى غير رجعة، خاصة وأنها قد سلّمت مقاليدها منذ مدّة إلى أطراف عربية تقودها كيفما تشاء.

فهل سنرى دبلوماسيتنا تثور على وضعها الراهن وتخرج من عباءة بعض الحكّام العرب، أم ستبقى تنتظر أن تقفز دولة أخرى على مهمة الحل في ليبيا، وتقود مشروع المصالحة، وتخرجنا نهائيًا من جارنا الأقرب إلينا؟
 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرصة نادرة على الدبلوماسية التونسية أن تلتقطها تونس مرجع للحل الليبي فرصة نادرة على الدبلوماسية التونسية أن تلتقطها تونس مرجع للحل الليبي



GMT 01:00 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 21:38 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 07:46 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 00:19 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

اليمن والحاجة لإعادة إعمار القيم

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca