الدبلوماسية أداة للحكم الدولي

الدار البيضاء اليوم  -

الدبلوماسية أداة للحكم الدولي

بقلم لبنى أمحير

قبل مائة سنة أثيرت مسألة مستقبل الدبلوماسية نتيجة للتقدم التكنولوجي والإهتمام التدريجي لعامة الشعب بمجال السياسة الخارجية، كما أن هناك عدة عوامل تؤثر على العمل الديبلوماسي منها ما هو سياسي وما هو اقتصادي.
 
فبعد الحربين العالميتين والحرب الباردة، بدأ التنافس ما بين القوى العظمى وإستعمال الديبلوماسية كأداة فرض القوة السياسية والإيديولوجية عبر العلاقات والمصالح الدولية، حيث إضطرت الديبلوماسية نتيجة لذلك وفي العديد من الأحيان لأداء "رقصة الموت".
 
لكن نهاية الحرب الباردة غيرت بشكل جذري المشهد السياسي الدولي، حيث اضطرت الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم للانفتاح على فاعلين جدد في طليعة العلاقات الدولية وإعتبار الديبلوماسيين أكثر من سعاة بريد فخريين.
 
وتواجه الحكومات اليوم منافسة شديدة من قبل الجهات الفاعلة الأخرى كالقطاع الخاص، والجماعات الترابية، والمهاجرين، ووسائل الإعلام وغيرها من كيانات المجتمع المدني التي  تطالب من الحكومة أن تتخذ مصالحها في الاعتبار، وأن تساهم برأيها في صنع وتنفيذ السياسة الخارجية.
 
فعلى سبيل المثال، في جنيف يوجد حاليا نحو 1400 منظمة غير حكومية مسجلة رسميا مع مكتب الأمم المتحدة، كلها دولية ولها فروع في اثنين على الأقل أو أكثر من البلدان. وعلى الرغم من أن وضعها يختلف عن الدبلوماسيين في الممارسة العملية، فغالبا ما تشارك في العملية السياسية، لاسيما في مجال تعزيز ومناقشة قضايا مثل حقوق الإنسان وحماية البيئة. في الوقت الحاضر، يجب الإعتراف بقوة ضغط المجتمع المدني الذي يؤثر في كثير من الأحيان على القرارات الدولية.
 
المنظمات غير الحكومية ليست الوحيدة التي تساهم في هذه العملية الدبلوماسية، فهناك أيضا السلطة التشريعية التي وضعت بنجاح هيكلا من التفاعل العالمي والإقليمي، الذي يلعب الآن دورا مهما في الإجتماعات الدبلوماسية التي كانت من قبل حكرا على السلطة التنفيذية. في نفس هذا الإطار المؤسساتي، تؤدي اللجان النيابية المهتمة بالشؤون الخارجية دورا مهما في المجال الديبلوماسي والعلاقات الدولية والتعاون من خلال نشاطها داخل البرلمانات والمنتديات و المؤسسات فضلا عن تنفيذ الاتفاقات الدولية. كل هذه الأدوات والآليات تعطي البرلمانات دورا هاما في القضايا الخارجية وقوة تأثيرية عبر دبلوماسية شعبية و لوبيات غير رسمية. وبطبيعة الحال، فكلما كانت مكانة البلدان قوية في المجتمع الدولي كلما أكدت على حد سواء على تطوير خدماتها الدبلوماسية و تقوية لجانها النيابية ذات الصلة.
 
من ناحية أخرى، فإن الدبلوماسية الإقتصادية بدأت تهيمن تدريجيا على الدبلوماسية التقليدية المبنية على السياسة، كما قد كتب الكثير في السنوات الأخيرة حول النمو الهائل للتفاعلات الإقتصادية العابرة للحدود الوطنية. في الواقع، ومع التوسع الهائل للتجارة الدولية وقوة الشركات الخاصة والتحويل الإلكتروني للأموال، أصبح دور ومديري الصناديق الخاصة وأصحاب المشاريع الكبرى متفوقا على البنوك المركزية ووزراء المالية. فالحكومات في كل مكان تهتم في المقام الأول بالحفاظ على القدرة التنافسية لإقتصاداتها التي تنفتح بدورها على العالم الخارجي بينما تتوسع السوق العالمية بشكل ضخم و تتنوع وتتعدد مع ذلك الفعاليات الاقتصادية.  
 
وهناك عاملا آخر ذو أهمية في التأثير على الدبلوماسية الحديثة، وهو ثورة الإتصالات والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. كل هذا يدل على الترابط المتزايد في العالم. الآن، المشاكل التي تؤثر على جزء واحد من سكان العالم، يمكن أن تنتشر بسرعة كبيرة إلى الكوكب بأسره. كل واحد منا، الأغنياء والفقراء، النساء والرجال، الصغار والكبار، مصيرنا مشترك رغم التجزئة والتعريب من اتساع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة بسبب العولمة ، كما يؤدي تسارع وتيرة الأحداث إلى  ضغط الوقت و تعدد منابع الخبر.
 
كل هذه التحولات تجلب تحديات جديدة للدبلوماسية على المستوى العالمي: الحفاظ على السلم الإيجابي والأمن الشامل، التحول الديمقراطي، تعزيز حقوق الإنسان، التعاون الاقتصادي والتنمية المستدامة، تسهيل الأعمال و التدخلات الإنسانية، والوقاية من الإرهاب و محاربة الجرائم المنظمة العابرة للحدود.
 
اليوم، صار حتميا على الدبلوماسية ان تساعد القادة السياسيين والاقتصاديين في مواجهة التغييرات العالمية، على نحو تطوري، غير عنيف وديمقراطي. واحدة من أهم أولوياتها هو تسهيل الحكامة الجيدة على الصعيدين الوطني والدولي.
 
النهضة الدبلوماسية التي لا طالما لعبت دور الوسيط بين الحكومات لديها الآن فرصة لتصبح أداة للحكم الدولي، خصوصا في هذا العصر الجديد من الصراعات الفوضوية و الحروب اللامنتهية، التي تفتت الدول و تهدد استقرار البلدان و الحكومات، حيث أصبح العالم مجزأ و شديد التعقيد كما وصفه باراك خانا في كتابه "كيف تحكم العالم".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدبلوماسية أداة للحكم الدولي الدبلوماسية أداة للحكم الدولي



GMT 01:00 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 21:38 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 07:46 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 00:19 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

اليمن والحاجة لإعادة إعمار القيم

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca