التّقاعد و البطالة... سيّبوا الشّيّاب و خدّموا الشّباب

الدار البيضاء اليوم  -

التّقاعد و البطالة سيّبوا الشّيّاب و  خدّموا الشّباب

بقلم : توفيق بن رمضان

هذه الأيّام لا حديث إلاّ عن التّرفيع في سنّ التّقاعد، لا و ليس هذا فحسب، بل فتح وزير الشّؤون الإجتماعيّة في حكومة الصّيد جبهة أخرى، ألا وهي اقتراح التّخفيض في جرايات المتقاعدين، و منذ السّنوات الأولى لتأسيس الجمهوريّة مشرّعي الوزارات في السّلطة التّنفيذية في هذا الوطن العجيب و الغريب و في كلّ الحكومات المتتالية، كلّما فكّروا في سنّ قوانين جديدة من أجل التّصدّي لبعض المشاكل و الأزمات إلاّ و كانت النّية مبيّتة عندهم في المزيد من الضّغط على المواطنين، فلا يفكّرون إلّا كيف سيوقعون بالمواطنين، إنّها قوانين لمزيد من ذبح و نهب المواطنين، إنّهم دأبوا على إعداد قوانين ليست في خدمة المواطنين و حلّ الإشكاليات و الأزمات التي يتعرّضون لها، بل قوانين من أجل المزيد من عصر المواطنين و الإثقال عليهم خدمة للأسياد من السّياسيين و النّافذين من الفاسدين و المفسدين، و كلّ الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال كانت دائما تذهب للحلول السّهلة، و لا تفكّر إلاّ في كيف يمكنها أن تنهب المزيد من الأموال من الذّين يدفعون و الذّين يقومون بواجبهم الجبائي و تعهّداتهم المالية تجاه الدّولة و الصّناديق الاجتماعية، أمّا في ما يخصّ المتهرّبين و البارونات من الفاسدين و المهرّبين المنفلتين، فلا يمكنهم المساس بهم، و لا يمكنهم إجبارهم على دفع ما يتوجّب عليهم من ضرائب و آداءات للدّولة و للصّناديق و غيرها من المؤسّسات الوطنيّة، إنّ القيام بالواجب الجبائي هو أساس من أساسيّات المواطنة، فمن لا يأدّون ما عليهم تجاه الوطن فلا يحق لهم الإستفادة من البنية التّحتية و كلّ الخدمات التّي تسديها المؤسّسات الوطنيّة من مؤسّسات التّربية و التّكوين و الصحّة و غرها من المؤسّسات، و لا يحقّ لهم التّرشّح لأي منصب من المناصب في الدّولة، و لكن ما نراه هو العكس فالكثير من الرّموز و السّياسيّين و رجال المال و الأعمال، رغم ما تشوبهم من تجاوزات و اتّهامات و رغم أنّهم لا يقومون بواجبهم الجبائي، بل منهم من  يتحيّلون على الدّولة بطرق مختلفة و متشعّبة، و بعد تجدهم من أوّل المترشّحين للمناصب إن كانت برلمانيّة أو سياسيّة و دبلوماسيّة، و تجدهم من أوّل المستفيدين من الخدمات و الحوافز و الدّعم و الإمتيازات.
 
و نذكّر الجميع أنّه عندما تحرّك الشّباب تحت حكم بن علي كانت المطالب الأساسيّة هي التّشغيل، و يمكن القول أنّه من بين الحلول لأزمة البطالة هو تسريح بعض موظّفين على التّقاعد المبكّر لا العكس، كما أنّ هذا الإجراء سيشكّل في نفس الوقت حلاّ لمشكلتين، الأولى تتمثّل في إيجاد مواطن شغل للشّباب العاطل و الثّاني ستمكنّنا من إزاحة عدد مهم من الموظّفين من الجنسين يشتغلون في الإدارات العموميّة و المؤسّسات التّربويّة و قد تجاوزتهم الوسائل التّقنيّة و التّكنولوجيّة و لم يعد بإمكانهم التأقلم و تقديم الإضافة، و قد أنهكوا و لم يعد لهم لا الكفاءة المطلوبة و لا الإلمام بالوسائل الحديثة للعمل، و بالتّالي لهم مردوديّة ضعيفة تلحق الضّرر بالبلاد و العباد، و في نفس الوقت لهم رواتب مرتفعة بحكم الأقدميّة، و من الأحرى تسريحهم و إحالتهم على التّقاعد، فهم لا يستجيبون لمتطلّبات المرحلة، و لم يعد بإمكانهم التّأقلم و لا حسن التّعامل مع الأجيال الجديدة من الشّباب بحكم الفارق في السّن و العقليّة، و هناك الكثير من الكوادر الأخرى في الدّولة لهم رواتب مرتفعة جدّا و امتيازات متعدّدة ترهق ميزانية الدّولة و في المقابل مردوديّتهم ضعيفة، و بإحالتهم على التّقاعد المبكّر يخفّف الضّغط على ميزانية الدّولة، و براتب واحد من رواتبهم و امتيازاتهم ربّما يمكننا تشغيل اثنان أو ثلاث شبّان من العاطلين الذّين سيعوّضونهم في الوظائف.
 
و الجدير بالذّكر القول أنّ الأموال التّي أهدرت بالإضرابات و الاعتصامات مند سنة 2011، كان من الأحرى أن تدعم بها التّنمية في الجهات و أن تصرف نسبة منها في دعم الصّناديق الاجتماعية حتّى تتمكّن من تغطية عجزها بمنحها موارد جديدة لتغطية المصاريف الطّارئة في صرف الجرايات للمتقاعدين و لكلّ من سيحالون على التّقاعد المبكر لو ذهبنا في هذا الخيار الذّي أراه صائبا و فعّالا.
 
و في النّهاية أقدّم إقتراحات من أجل مزيد دعم الصّناديق الإجتماعية و أقول يمكن لمن سيسرّحون على التّقاعد المبكّر التّنازل على عشرة في المائة من جراياتهم حتى بلوغ سن الستّين، و يمكن الاشتراط على من سيعوّضونهم من المنتدبين الجدد اقتطاع نسبة ضعيفة من رواتبهم لصالح الصّناديق الاجتماعية لتتمكّن من تجاوز العجز و تغطية الضّغط الذّي ستتحمّله في السّنوات المقبلة بعد تسريح عدة آلاف على التّقاعد المبكّر، و يمكن أيضا التّخفيض من نسبة الجباية على المنتدبين الجدد و تحويل نسبة من أموال الأداء على أجورهم لفترة محدّدة للصّناديق الإجتماعية، و هكذا يمكنها تجاوز العجز و الضغط الذّي سينجم بسبب تسريح مجموعة هامة من الموظّفين بالإدارة و المؤسسات الحكوميّة على التّقاعد المبكّر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التّقاعد و البطالة سيّبوا الشّيّاب و  خدّموا الشّباب التّقاعد و البطالة سيّبوا الشّيّاب و  خدّموا الشّباب



GMT 01:00 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 21:38 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 07:46 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 00:19 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

اليمن والحاجة لإعادة إعمار القيم

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 20:11 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 09:26 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

إعادة سلحفاة نادرة إلى مياه خليج السويس بعد علاجها

GMT 01:32 2014 الأحد ,27 تموز / يوليو

طريقه عمل مفركة البطاطا

GMT 08:20 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل بريطاني على طريقة حديقة حيوان يثير الإعجاب في لندن

GMT 06:11 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

أسهل طريقة لإعداد مكياج رائع لجذب الزوج

GMT 00:03 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

قرار بخصوص مشروع ملكي مغربي يُربك حسابات إلياس العماري
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca