تواريخ الاستقلال الوطني

الدار البيضاء اليوم  -

تواريخ الاستقلال الوطني

بقلم - سالم الكتبي

عندما يتذكر الباحثون تواريخ الاستقلال الوطني كمحطات زمنية مهمة في تاريخ الدول، تقفز إلى أذهانهم أفكار عدّة أهمها مدى تجذر الاستقلال كفكرة في الوعي للشعوب، باعتبار أن الاستقلال لا يعني فقط فك الارتباط بأشكاله كافة مع المستعمر والاستعمار كما كان الحال في الماضي، بل إن الاستقلال يعني حرية الإرادة وهذا هو الشق الهم والوجه الآخر الساطع لمحطات تاريخية.

بالنسبة إلى المملكة المغربية الشقيقة، وبحكم اهتمامي بتاريخ هذا البلد العريق، أدرك أن تاريخه زاخر بمحطات مشرقة عدة، ولكن يبقى عيد الاستقلال واحد من أهم وأبرز تلك المحطات التاريخية على الإطلاق، حيث جاءت بعد مسيرة نضال تاريخية عتيدة، تضافرت خلالها إرادة الشعب والعرش، وظل هذا التلاحم الرائع ـ حتى الآن ـ أهم رموز الوطنية والانتماء لتراب هذا البلد.

استقلال المملكة المغربية الشقيقة هو تجسيد لرحلة نضال مليئة بالدروس والعبر ن بل هي رحلة ملهمة في الانتماء للتراب والأرض والوطن، بما تنطوي عليه من ذكريات تاريخية وإشراقات مضيئة تميزها عن غيرها من التجارب النضالية والتحررية وتمنح لها قدراً هائلا من الخصوصية والتفرد التاريخي.

الوقوف عند يوم الاستقلال ليس نوع من الترف التاريخي والثقافي والسياسي، ولا هو إحياء لذكريات تقادمت، ولكنها مقاربة ضرورية واستدعاء حيوي لمخزون الوطنية الراسخ في الوعي الجمعي للشعوب، ومنه نجدد طاقات الوطنية التي يحتاجها الجميع بشدة في الظروف الراهنة عالمياً وإقليميا، حيث باتت الأوطان وفكرة الدولة المستقلة ذات السيادة عرضة للتشكيك والهجمات المنظمة من تيارات وتنظيمات عابرة للجغرافيا، وأخرى داعية لتقويض أسس الدول والدفع باتجاه تحويل العالم إلى حالة من الصراع تحت لواءات دينية ومذهبية وعرقية، وهي في الحقيقة لا هذه ولا تلك بل هي الفوضوية والمصالح الذاتية التي يلهث ورائها الكثيرون، تنظيمات وأفراد على حد سواء.

استدعاء شحنات الإرادة الوطنية في يوم الاستقلال المغربي مسألة بديهية لدفع مسيرة العمل والإنتاج والتنمية في هذا البلد، الذي يمتلئ تاريخه بالتحديات والتجارب النضالية الملهمة كما قلت، فالكفاح في تاريخ المغرب وخوض معركة الاستقلال كان له تكلفة باهظة على الصعيدين البشري والمادي، وقد أسهمت هذه التكلفة في توطيد دعائم الوحدة والاصطفاف وتماسك البنية الوطنية للمملكة المغربية منذ استقلالها، فالوحدة بين أبناء المغرب لها رمزية استثنائية وخصوصية عميقة، فهي درة تاج هذا البلد، وحصنه الحصين في مواجهة التحديات التي لا يزال البعض منها ماثلاً حتى الآن يختبر إرادة المغرب والمغاربة على حد سواء.

 

ولاشك أن المسيرة التنموية للمملكة المغربية التي يقودها بحكمة ووفق سياسات رشيدة صاحب الجلالة الملك محمد السادس ـ أعزه الله ـ تثبت أن تلاحم الشعب والقيادة في المملكة فوق أي اعتبار آخر، حيث نجح هذا التلاحم في تجنيب المملكة المغربية أشد الأعاصير واعتاها، وشكل حائط صد قوي في مواجهة أي محاولات للنيل من أمن الشعب المغربي الشقيق واستقلاله الوطني.

في مثل هذه الأيام منذ نحو ستة عقود مضت، أعلن المغفور له بإذن الله تعالى محمد الخامس عن "انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال" إيذانا بانتصار ثورة العرش والشعب، وفي مثل هذه الأيام خرجت المملكة المغربية من التجربة الاستعمارية أمة قوية متماسكة قادرة على صون هويتها وإرادتها وقيمها الأصيلة، وهي الروح ذاتها التي لا تزال تحلق في الفضاء المغربي، واحتفظت للمغرب العريق بدوره التاريخي والحضاري كمنارة للإشعاع الثقافي والفكري والإنساني والديني، ونقطة ارتكاز حيوية لانطلاق أفكار التحديث والتطوير وتلاقي الحضارات والثقافات والتواصل الإنساني.

الشعب المغربي الشقيق صاحب تجربة تاريخية رائعة في الربط بين الماضي والحاضر، فلم يقطع هذا الشعب علاقته بماضيه، حتى لو كان استعمارياً، بل نجح في استخلاص ما يريد من تلك الحقبة الغابرة، واكتسب منها ما يريد من دون تأثير سلبي في هويته وحضارته وثقافته، فدانت له الخصوصية والتفرد التي مزجت بين تاريخ المغرب وحضارته وموروثه الثقافي والقيمي والديني من ناحية وبين التجارب التاريخية والاحتكاكات الثقافية التي عبرت عليه ومرت بكل ما تمتلكه أيضاً هذه التجارب من موروثات حضارية وثقافية، فكان التواصل الإنساني وكانت هذه الشخصية المغربية المعبرة عن حضارات وثقافات اختلطت وانصهرت على أرض المغرب وأنتجت قدراً هائلا من الانفتاح والتعايش والوسطية والتسامح والتعددية الثقافية والإنسانية.

ذكرى الاستقلال الوطني للمملكة المغربية تستدعي جوانب كثيرة على طاولة النقاشات البحثية، كما تستدعي بالقدر ذاته روح النضال الوطني في مواجهة التحديات التنموية الراهنة، باعتبار أن معارك التنمية والبناء لا تقل حدة وشراسة عن معارك النضال ضد الاستعمار، وتلعب فيها الإرادة الشعبية والجهود الوطنية الأدوار الأبرز، ما يجعل من هذه الذكرى محطة بالغة الأهمية ليس فقط على الصعيد الاحتفالي، ولكن أيضا على صعيد شحن الطاقات والهمم الوطنية لتحقيق مزيد من الإنجازات والمكاسب التي نتمناها جميعاً لهذا البلد الشقيق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تواريخ الاستقلال الوطني تواريخ الاستقلال الوطني



GMT 01:00 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 21:38 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 07:46 2019 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مزوار: اذكروا أمواتكم بخير !

GMT 00:19 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

اليمن والحاجة لإعادة إعمار القيم

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca