حين تكون «ردة الفعل» أسوأ من الفعل ذاته؟!

الدار البيضاء اليوم  -

حين تكون «ردة الفعل» أسوأ من الفعل ذاته

عريب الرنتاوي


طغت لغة التهديد والوعيد على تصريحات قادة حماس المعترضة على قرار "محكمة الأمور المستعجلة" بإدراج الحركة في قائمة المنظمات المصنفة إرهابية، وتبارى قادة الحركة والناطقون باسمها، في إطلاق أقذع الشتائم والصفات على النظام المصري الجديد، وتوسعوا في شرح معاني ودلالات الخطوة، بوصفها مؤامرة لخدمة نتنياهو وشطب المقاومة وإلحاق أفدح الأذى بالشعب الفلسطيني ... ليبلغ "المسلسل"  ذروته الدرامية بإطلاق العبارات النارية التي تتوعد بهزيمة الجيش المصري كما هُزم الجيش الإسرائيلي، والطلب إلى قادة هذا الجيش "سؤال" موشيه يعالون عن "بنادق المقاومة وصواريخها" إلى ما هنالك من "بازار"، يدعو للرثاء أكثر مما يدعو للطمأنينة على سلامة وضع حماس، والأهم سلامة وضع الفلسطينيين في القطاع المحاصر.
على أية حال، لم يكن الفعل المصري، القضائي والإعلامي، مقبولاً بحال من الأحوال، بل هو في كل الأحوال يستحق الرفض والإدانة، فحماس كما بقية فصائل العمل الفلسطينية، ليست منظمة إرهابية، ومن الشائن وصفها كذلك، سواء صدر هذا الوصف عن جهة قضائية أو أمنية، سياسية أو إعلامية ... والأخطر حين يصدر أمرٌ كهذا من مصر ذاتها، البلد العربي الأكبر، والجوار العربي الوحيد للقطاع، والدولة المنوط بها أمر الوساطة بين الفلسطينيين أنفسهم من جهة، وبينهم وبين الإسرائيليين من جهة ثانية.
لكن ردة فعل قادة حماس، جاءت أبشع وأسوأ من الفعل المصري ذاته، الذي ظل حتى الآن محصوراً في محكمة من "الدرجة الأولى"، أي أن قراراتها قابلة للنقض موضوعاً واختصاصاً، أو عن إعلاميين من العيار الهابط، اشتهروا بإدارة حفلات الردح والتشهير، والتقلب بين الحقب والرئاسات التي تعاقبت سريعاً على مصر في السنوات الأربع الأخيرة، بعد أن ظل الركود سيد الأحكام طوال عشريات ثلاث من السنين.
حتى الآن، لم نسمع من المستوى السياسي المصري حديثاً يؤيد اعتبار حماس حركة إرهابية، بل لقد قرأنا تصريحات لناطقين مصريين تذهب في الاتجاه المغاير، وتنفي أية نية لدى السلطات المصرية لإدراج الحركة في قوائمها السوداء، والرجل الثاني أو الثالث في حماس، الدكتور موسى أبو مرزوق، ما زال يقيم في القاهرة، والمؤكد أنه خارج "الإقامة الجبرية"، وهي يلتقي بمسؤولين فلسطينيين وغيرهم بين الحين والآخر، ولا تتوقف أصابعه من العمل على التوتير والفيسبوك، ما يعني أن القاهرة لم تقطع شعرة معاوية بعد مع الحركة، لكن الحملة الأخيرة التي تشنها حماس على نظام السيسي، امتداداً لموقف سياسي – إعلامي عنيف ضد التغيير الذي حصل في الثالث من تموز / يوليو 2013، قد تفضي إلى دفع الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
على حماس أن تدرك أنها ليست وحدها من يدفع ثمن تأزم العلاقات بين مصر وقطاع غزة، هناك أكثر من مليون وثمانمائة ألف فلسطيني، يدفعون أثماناً باهظة جراء استمرار هذا التأزم والتأزيم ... وإذا كنا لسنا بصدد تبرئة الجانب المصري من أية مسؤولية حيال تردي علاقاته مع حماس، مأخوذاً بهاجس الحرب على الإخوان المسلمين ومطاردتهم في كل مكان، إلا أننا بالقطع، لن نجامل حماس، ونبرئها من المسؤولية عمّا آلت علاقاتها مع القاهرة، فهي انحازت على أبشع صورة إلى جانب "رابعة" والإخوان والمرشد والتنظيم الدولي، ولأسباب إخوانية محضة، ضاربة عرض الحائط، البعد الوطني في موقعها وخطابها وحساباتها ومصالحها، والأهم من وجهة نظرنا، حسابات شعبها الرازح تحت نير الاحتلال.
المهم اليوم، أن تتوقف ومن دون إبطاء "حفلة الجنون" التي تجتاح قطاع غزة، فهذه لن توصل أحد إلى مطرح .... والمطلوب بدلاً عن ذلك، أن تعمد حماس إلى إصدار "كتاب أبيض" توضح فيها من وجهة نظرها، وبالوثائق والشواهد والمعطيات، ملف علاقاتها بالنظام المصري وسيناء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأن تعرض فيها رؤيتها وقراءاتها والتزاماتها حيال الأمن القومي المصري، وأن تسيّر في ضوء ذلك، الوساطات و"المساعي الحميدة" لرأب الصدع ووقف التدهور واستعادة العلاقات، من أجلها هي أولاً، ومن أجل الشعب الفلسطيني ثانياً، ومن أجل الأخوة المصرية – الفلسطينية ثالثاً.
وعلى حماس أن تدرك، أنها لم تعد قادرة، ولن تكون كذلك في المدى المرئي على أقل تقدير، على معالجة ملفات إعادة الإعمار ورفع الحصار وفتح المعابر، من دون مصالحة وطنية حقيقة، وهي المصالحة التي أصيبت في مقتل بعد التفجيرات الجماعية المتزامنة التي ضربت منازل لقادة فتح في غزة ... "كتاب أبيض" ثانٍ يبدو ضرورياً لإجلاء الصورة وتحديد المسؤوليات وجلب الجناة إلى العدالة وإعادة المياه إلى مجاريها.
وفي المقابل، يتعين على مصرأن تدرك تمام الإدراك، إن السماح باستمرار أبواق الردح الإعلامية المنفلتة من كل عقال، تزعق وتنعق بالخراب والإهانة لحماس وأهل غزة والشعب الفلسطيني، من شأنه أن  يلحق ضرراً بالغاً لا بالشعب الفلسطيني فحسب، بل بصورة مصر ودورها ومكانتها ... وأحسب كما يحسب كثيرون، ان الاستمرار في "شيطنة" حماس إلى حد وصفها بالإرهاب، من شأنه أن يلحق إعاقة كبيرة بالدور الإقليمي الذي تسعى القاهرة لاستنهاضه واسترداده من جديد، بدءاً من فلسطين وغزة، بوابة مصر والدائرة الأولى لدورها القومي.
وعلى السلطة من جهتها، أن تغادر مقاعد المتفرجين، وأحياناً الشامتين، فالمعركة بين مصر وحماس، لا تكتوي الحركة وحدها بنيرانها، بل تصيب الشعب الفلسطيني كلّه، وأهل غزة على وجه التحديد ... وعلى السلطة الإسراع في مبارحة مربع الفرجة والانتظار، إلى إطلاق المبادرات الهادفة وقف التدهور ومنع التداعيات والانعكاسات من أن تصيب في مقتل، مصائر وحيوات ما يقرب من مليونين من مواطنيها في "الشطر المحاصر" من "الوطن المحتل".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين تكون «ردة الفعل» أسوأ من الفعل ذاته حين تكون «ردة الفعل» أسوأ من الفعل ذاته



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca