البشير في دمشق ... من عجائب السياسة الخارجية السودانية

الدار البيضاء اليوم  -

البشير في دمشق  من عجائب السياسة الخارجية السودانية

بقلم - عماد الدين أديب

حطّ الرئيس السوداني عمر حسن البشير فجأة في دمشق، والتقى رئيسها بشار الأسد، الذي لم يستقبل زعيماً عربياً منذ أزيد من سبع سنوات ... عنصر المفاجأة في زيارة البشير لدمشق، لا تقتصر على الزيارة بحد ذاتها، فالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية للسودان، باتت مثيرة للاهتمام والتساؤل، إذ كيف ينجح الرجل الذي قضى ثلاثين عاماً في رئاسة البلاد، ويسعى لتعديل الدستور لتمكينه من الترشح لولاية جديدة في انتخابات 2020، أن يجمع كل هذه التناقضات فوق صفيح واحد، وأن يتنقل بخفة بين محاور عربية وإقليمية متصارعة؟

البشير الذي نقل علاقات بلاده مع إيران إلى مستوى «استراتيجي»، وسمح بتدشين مصانع للسلاح الإيراني في بلاده، «شريطة» نقل قسم من منتوجها لحماس، وتعرض لسلسلة من الغارات والضربات الإسرائيلية جراء ذلك ... البشير عاد وانقلب على إيران، وانتقل لقتال حلفاء طهران ميدانياً وبأعداد وازنة، لتهبط علاقات الخرطوم الثنائية بطهران، إلى أسفل درك.

علاقات البشير الوثيقة مع دول خليجية، لم تمنعه من إقامة أوثق العلاقات مع تركيا، بل ومنحها تسهيلات استراتيجية في منطقة البحر الأحمر وجزر تابعة للسودان فيها، فيما الخصومة بين طهران من جهة ودول أخرى، ليست خافية على أحد، خصوصاً مصر، التي توجه أصابع الاتهام لتركيا بدعم الإرهاب الذي يضربها... صحيح أن علاقات القاهرة بالخرطوم، لم تكن مستقرة تماماً طوال ثلاثين عاماً من حكم البشير، بيد أنها في هذه اللحظة بالذات، تتسم بالهدوء والطبيعية، ولا يعكر صفوها التطور المتسارع في علاقات تركيا والسودان.

وسط هذا الخليط الغريب العجيب من العلاقات والتحالفات، والتي تشمل تقريباً كافة المحاور المصطرعة في المنطقة، تتواتر الأنباء عن تحسن ملموس في العلاقات السودانية – الإسرائيلية ... الخرطوم كانت واحدة من عاصمتين مرشحتين لاستقبال نتنياهو.

أمس أيضاً، أعلن في إسرائيل، أن شركة العال الإسرائيلية، الناقل الرسمي، تلقت إذنا من الخرطوم بعبور أجوائها في طريقها من وإلى أفريقيا ... والمعتقد على نطاق واسع، أن العلاقات الثنائية بين إسرائيل والخرطوم، تشهد تطورات متسارعة قد لا يستبعد معها رؤية نتنياهو جائلاً في شوارع الخرطوم وأم درمان.

ولا يساور أحدٌ الشك، بأن قرار البشير «الانسحاب» من تحالفه مع إيران، وتراجع مستوى وسوية علاقته بحماس، فضلاً عن التقارب والتقرّب من إسرائيل، لا شك أنها جميعها كانت من بين الأسباب التي مكنت الرجل من الإفلات من مطاردة محكمة جرائم الحرب الدولية، التي أدرجت اسمه في قوائم مطلوبي الانتربول، قبل أن تطوى صفحة هذه القضية وتصبح نسياً منسياً، وقبل أن تشرع الأطراف ذات الصلة، في إعادة تأهيله من جديد، وإخراج بلاده من قبضة العزلة والحصار، حتى أن السودان، رفع مؤخراً أو يكاد يرفع من كافة القوائم للدول الراعية للإرهاب.

في ظل هذه «الفوضى الخلاقة» التي تسم السياسة والعلاقات الخارجية السودانية بطابعها، لا ندري أين نضع زيارة البشير لدمشق، فهل هي بداية تموضع جديد؟ ... مع من ضد؟ ... وهل هي توطئة وإرهاصات لما قد تكون عليه علاقات دمشق دول أخرى؟ ... هل يفكر البشير بتوسيع لعبة الوساطة التي اشتهر القيام في جنوب السودان وبعض جواره الأفريقي، لتشمل هذه المرة، عواصم من حجم القاهرة وأنقرة، دمشق وتل أبيب؟ ... كل شيء جائز، سيما وأن الرجل بات مطمئناً مسبقاً لنتائج الانتخابات المقبلة وفرص حصوله على ولاية رئاسية خامسة، بعد أن يتم «تصفير العداد الدستوري» الذي يحدد الرئاسة بولايتين اثنتين فقط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البشير في دمشق  من عجائب السياسة الخارجية السودانية البشير في دمشق  من عجائب السياسة الخارجية السودانية



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca