«آه يا تيرانى.. وآه يا صنافيرى»!

الدار البيضاء اليوم  -

«آه يا تيرانى وآه يا صنافيرى»

عماد الدين أديب

فجأة استيقظ قطاع كبير من النخبة المصرية والرأى العام على معركة دموية كبرى أقوى من صراع الدورى بين الأهلى والزمالك وأكثر فتكاً من الفتنة الطائفية، وهى معركة: هل جزيرتا تيران وصنافير تابعتان لسيادة مصر أم هما أصلاً جزيرتان سعوديتان؟

ولا أريد أن أدخل فى مصارعة الديوك حول هل هما مصريتان أم سعوديتان، ولكن أريد اليوم أن ألقى الضوء على أن هذه المسألة كانت كاشفة تماماً، وأكثر من غيرها من القضايا لحالة الصراع الهستيرى الذى يسيطر على العقل السياسى المصرى فى السنوات الأخيرة.

أول خطأ فى هذه المسألة هو خطأ فى توقيت وملابسات الإعلان عن حزمة الاتفاقيات بين القاهرة والرياض والتى أعطت انطباعاً -غير مقصود- وكأن الجزيرتين جاءتا كجزء من حزمة، وأن الـ16 مليار دولار هى ثمن لهاتين الجزيرتين.

ثانياً: إننا حتى الآن لم نحصل على أدلة مبسطة ولا توثيق واضح لحيثيات الاتفاق المصرى - السعودى حول هاتين الجزيرتين.

ثالثاً: المؤلم للغاية، والمحزن بشدة، وأكثر ما أزعجنى هو منهج تناول المسألة من قبَل الرأى العام.

معظم الذين أيدوا تبعيتهما لمصر جاء موقفهم من التربص والعداء والكيد والثأر لنظام الرئيس السيسى.

ومعظم الذين أيدوا تبعيتهما للسعودية كان موقفهم قائماً على النفاق السياسى لنظام الحكم الحالى، وليس مبنياً على دراسة وبحث وفهم كامل للملف.

وهناك قطاعات حائرة بين جنون المعارضة وسذاجة وضعف الدفاع عن الحكومة.

المسألة لم تعد مسألة حقوق تاريخية ووثائق لا يرقى إليها الشك ولا دراسات متخصصة فى قوانين ترسيم الحدود البحرية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1982، لكنها مسألة إما ثأر وكيد، أو نفاق وتأييد أعمى.

هذا المنهج من التفكير منهج مدمر وعبثى وعدمى ولا يمكن أن يصل بأى مجتمع إلى أى تقدم جوهرى، بل هو طريق ذهاب بلا عودة إلى الانتحار الجماعى.

وأخطر ما فى المسألة هو فقدان الثقة فى المرجعية، وكأن الجميع إما ملائكة أو أنبياء لا ينطقون عن الهوى أو أنهم خونة وعملاء بلا عقل ولا ضمير ولا حس وطنى.

نحن نتحدث عن مسألة لها 3 مرجعيات؛ الأولى تاريخية، والثانية قانونية، والثالثة تقنية شديدة التخصص تستند إلى معاهدة ترسيم الحدود البحرية التى تعتمد على مرجع متخصص اسمه (C -S1) يستند عليه كل أطراف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

من حق من يريد الدفاع عن الحكومة أن يدافع عنها، ومن حق من يريد الخلاف معها فى تلك المسألة أن يختلف، خاصة أن المسألة شديدة الحساسية لأنها مرتبطة بالسيادة الوطنية.

الاتفاقية لا تصبح سارية وقابلة للتنفيذ إلا حينما يتم التصديق عليها من البرلمان.

والعرض على البرلمان للتصديق يحتمل إما القبول أو الرفض بالأغلبية العددية اللازمة ولا يخضع لإمكانية التعديل فى النص.

الطريق المحترم والعاقل والمقبول لمن يريد القبول أو الرفض بالاتفاقية هو الرجوع إلى نواب الشعب ومحاولة إقناعهم بالقبول أو الرفض من خلال كل وسائل التأثير المشروعة.

نحن لا نعرف كيف نؤيد، وبالتأكيد لا نعرف كيفية إدارة الخلاف.

نحن إما أطراف فى تأييد أعمى أو حالة هستيريا كل منا يمسك برأسه صارخاً ومولولاً: «آه يا تيرانى.. وآه يا صنافيرى»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«آه يا تيرانى وآه يا صنافيرى» «آه يا تيرانى وآه يا صنافيرى»



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ننشر 10 تساؤلات بشأن تعويم الدرهم

GMT 02:23 2014 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السياحة الجنسية ظاهرة خطيرة تُثقل كاهل المجتمع في مراكش

GMT 18:29 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تسيير أول خط طيران مباشر بين بابوا غينيا الجديدة والصين

GMT 21:23 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

إنقلاب سيارة "پورش" يقودها سعودي في طنجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca